هل تم تحريف كتاب الله وما الفرق بين ميراث الكتاب وبين القرآنيين

هل تم تحريف كتاب الله وما الفرق بين ميراث الكتاب وبين القرآنيين؟

القرآن الكريم، هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المحفوظ في الصدور والسطور، المنقول إلينا بالتواتر جيلاً بعد جيل. هذا هو اعتقاد المسلمين قاطبة، وهذا ما شهدت به آيات القرآن الكريم نفسه، والسنة النبوية المطهرة، وإجماع الأمة. ولكن، تظهر بين الفينة والأخرى أصوات تشكك في هذا الأمر، وتثير شبهات حول حفظ القرآن الكريم وسلامته من التحريف والتبديل. من بين هذه الأصوات، تبرز فرقة القرآنيين، الذين يرفضون السنة النبوية كمصدر للتشريع، ويقتصرون على القرآن الكريم وحده، ويدعون أن السنة قد حرفت القرآن الكريم أو نسخته.

يهدف هذا المقال إلى مناقشة هذه القضية الحساسة، والرد على الشبهات المثارة حول حفظ القرآن الكريم، وتوضيح الفرق بين ميراث الكتاب أي أهل السنة والجماعة، وبين القرآنيين، مع الأخذ بعين الاعتبار النقاشات المطروحة في فيديو اليوتيوب المذكور بعنوان هل تم تحريف كتاب الله وما الفرق بين ميراث الكتاب وبين القرآنيين؟ ورابطه: https://www.youtube.com/watch?v=IXZH-VJsmfg.

حفظ القرآن الكريم: عقيدة راسخة

يعتبر حفظ القرآن الكريم من صميم عقيدة المسلمين، واستناداً إلى النصوص الشرعية القطعية، فإن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ كتابه، كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: 9). هذه الآية الكريمة تحمل وعداً إلهياً صريحاً بحفظ القرآن الكريم من أي تحريف أو تبديل، سواء كان ذلك بالزيادة أو النقصان.

لقد تجسد هذا الوعد الإلهي في الواقع التاريخي، حيث حرص المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ القرآن الكريم وتدوينه، ونقله بالتواتر جيلاً بعد جيل. كان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في حفظ القرآن الكريم وتلاوته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشجعهم على ذلك، ويتفقد حفظهم، ويصحح أخطاءهم. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم في عهده، وكان له كتاب متخصصون في ذلك، مثل زيد بن ثابت وغيره.

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، جمع أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرآن الكريم في مصحف واحد، وذلك بعد معركة اليمامة التي استشهد فيها عدد كبير من حفاظ القرآن الكريم. ثم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، تم نسخ المصحف العثماني وتوزيعه على الأمصار الإسلامية، وذلك لتوحيد القراءة ومنع الاختلاف.

ومنذ ذلك الحين، والقرآن الكريم ينتقل بالتواتر جيلاً بعد جيل، ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل. وقد شهد بذلك علماء المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف، وكذلك المستشرقون المنصفون.

شبهات حول حفظ القرآن الكريم والرد عليها

على الرغم من الأدلة القاطعة على حفظ القرآن الكريم، إلا أن بعض المشككين يثيرون شبهات حول ذلك، مستندين إلى بعض الروايات الضعيفة أو الموضوعة، أو إلى بعض التفاسير الخاطئة لبعض الآيات الكريمة. من بين هذه الشبهات:

• شبهة وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم: يرد المشككون بوجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم، مثل قراءة ورش وقراءة حفص، ويقولون إن هذا يدل على وجود تحريف في القرآن الكريم. والرد على هذه الشبهة هو أن القراءات المختلفة للقرآن الكريم ليست تحريفاً، بل هي أوجه مختلفة لكيفية النطق بالكلمات، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاز القراءة بها. والاختلاف بين القراءات هو اختلاف في التجويد والتلاوة، وليس اختلافاً في المعنى أو اللفظ.
• شبهة وجود آيات منسوخة في القرآن الكريم: يرد المشككون بوجود آيات منسوخة في القرآن الكريم، ويقولون إن هذا يدل على أن القرآن الكريم ليس كاملاً، وأنه قد تغير بمرور الزمن. والرد على هذه الشبهة هو أن النسخ في القرآن الكريم ليس تحريفاً، بل هو رفع لحكم شرعي سابق، واستبداله بحكم شرعي جديد، وذلك لحكمة إلهية. والآيات المنسوخة لا تزال موجودة في القرآن الكريم، وتتلى كما هي، ولكن لا يعمل بها.
• شبهة وجود أخطاء لغوية في القرآن الكريم: يرد المشككون بوجود أخطاء لغوية في القرآن الكريم، ويقولون إن هذا يدل على أن القرآن الكريم ليس من عند الله. والرد على هذه الشبهة هو أن القرآن الكريم هو أعلى درجات الفصاحة والبلاغة، ولا يوجد فيه أي خطأ لغوي. وما يظنه البعض خطأ لغوياً، هو إما لغة عربية فصيحة غير مألوفة، أو أسلوب بلاغي رفيع لا يدركه إلا المتخصصون.

إن هذه الشبهات وغيرها لا تصمد أمام الأدلة القاطعة على حفظ القرآن الكريم، وهي مجرد محاولات يائسة للتشكيك في كلام الله تعالى، وزعزعة ثقة المسلمين في كتابهم.

الفرق بين ميراث الكتاب والقرآنيين

ميراث الكتاب هو مصطلح يشير إلى أهل السنة والجماعة، الذين يتمسكون بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويعتبرونهما المصدرين الأساسيين للتشريع. أما القرآنيون فهم فرقة ظهرت في العصر الحديث، ترفض السنة النبوية كمصدر للتشريع، وتقتصر على القرآن الكريم وحده.

الفرق بين ميراث الكتاب والقرآنيين كبير وجوهري، ويتجلى في عدة جوانب، منها:

• مصدر التشريع: أهل السنة والجماعة يعتبرون القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مصدرين أساسيين للتشريع، ولا يجوز الاستغناء بأحدهما عن الآخر. أما القرآنيون فيقتصرون على القرآن الكريم وحده، ويرفضون السنة النبوية.
• فهم القرآن الكريم: أهل السنة والجماعة يفهمون القرآن الكريم في ضوء السنة النبوية، ويعتبرون السنة النبوية هي المبينة والمفسرة للقرآن الكريم. أما القرآنيون فيفهمون القرآن الكريم بعقولهم القاصرة، ويرفضون تفسير السنة النبوية له.
• العمل بالشريعة الإسلامية: أهل السنة والجماعة يعملون بالشريعة الإسلامية كاملة، بما في ذلك الأحكام التي وردت في السنة النبوية، مثل أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج. أما القرآنيون فيعملون ببعض أحكام الشريعة الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم، ويرفضون الأحكام التي وردت في السنة النبوية.
• المنهجية العلمية: أهل السنة والجماعة يعتمدون على المنهجية العلمية الصحيحة في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية، ويحرصون على التأكد من صحة الأحاديث النبوية قبل العمل بها. أما القرآنيون فيعتمدون على الأهواء والشهوات في فهم القرآن الكريم، ويرفضون المنهجية العلمية الصحيحة.

إن منهج القرآنيين يؤدي إلى تعطيل الكثير من أحكام الشريعة الإسلامية، وإلى الفوضى والتخبط في الفهم والتطبيق. وهو منهج مخالف لمنهج الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، الذين أجمعوا على حجية السنة النبوية، وضرورة العمل بها.

ختاماً

إن حفظ القرآن الكريم هو وعد إلهي، وقد تحقق هذا الوعد في الواقع التاريخي. والشبهات المثارة حول حفظ القرآن الكريم لا تصمد أمام الأدلة القاطعة. والفرق بين ميراث الكتاب والقرآنيين كبير وجوهري، والمنهج الصحيح هو التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وفهمهما في ضوء المنهجية العلمية الصحيحة.

يجب على المسلمين أن يكونوا على وعي بهذه القضايا، وأن يتحصنوا بالعلم الشرعي الصحيح، وأن يردوا على الشبهات المثارة حول القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن يتمسكوا بمنهج أهل السنة والجماعة، الذي هو المنهج الحق الذي يوصل إلى رضا الله تعالى.