التفضيل بين الرسل وتفصيله من كتاب الله الذى ينطق بالحق

التفضيل بين الرسل وتفصيله من كتاب الله الذى ينطق بالحق: تحليل ومناقشة

يتناول فيديو اليوتيوب المعنون بـ التفضيل بين الرسل وتفصيله من كتاب الله الذى ينطق بالحق قضية حساسة ومهمة في العقيدة الإسلامية، وهي مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. هذه القضية لطالما كانت موضع نقاش وبحث بين العلماء والمفكرين المسلمين، وذلك لما لها من أثر على فهمنا للنصوص الشرعية، وعلى مكانة الأنبياء والرسل في قلوبنا وعقولنا.

يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل معمق وشامل للموضوع الذي يطرحه الفيديو، مع استعراض أهم النقاط التي يثيرها، والأدلة القرآنية التي يستند إليها، بالإضافة إلى مناقشة بعض الجوانب الخلافية في هذه المسألة. سنحاول قدر الإمكان تقديم رؤية متوازنة وموضوعية، مستندين إلى أقوال العلماء المعتبرين، ومراعين قواعد الفهم الصحيح للنصوص الشرعية.

أصل المسألة وأهميتها

التفضيل بين الأنبياء والرسل ليس مسألة شكلية أو هامشية، بل هي قضية جوهرية تتعلق بفهمنا لطبيعة النبوة والرسالة، ولعلاقة الله تعالى بعباده. فالله سبحانه وتعالى اصطفى هؤلاء الأنبياء والرسل، واختارهم لحمل رسالته، وتبليغها للناس. وقد منحهم الله تعالى فضائل وميزات خاصة، تختلف من نبي إلى آخر، ومن رسول إلى آخر.

إن معرفة هذه الفضائل والميزات، والتفريق بين الأنبياء والرسل بحسبها، يساعدنا على فهم عظمة الله تعالى، وحكمته في اختيار رسله، وعلى تقديرهم حق قدرهم، والاقتداء بهم في أخلاقهم وأعمالهم. كما أن هذه المعرفة تعزز إيماننا بالله تعالى، وتزيد من محبتنا له، وتعلقنا به.

القرآن الكريم والتفضيل بين الرسل

القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساسي في تحديد مكانة الأنبياء والرسل، وفي بيان فضل بعضهم على بعض. وقد وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشير إلى التفضيل بين الرسل، منها قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۙ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ۗ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (البقرة: 253).

هذه الآية الكريمة صريحة في إثبات التفضيل بين الرسل، وأن الله تعالى فضل بعضهم على بعض. وقد ذكرت الآية بعض مظاهر هذا التفضيل، منها تكليم الله تعالى لبعض الرسل، ورفع بعضهم درجات، وإيتاء عيسى ابن مريم البينات وتأييده بروح القدس.

كما وردت في القرآن الكريم آيات أخرى تشير إلى فضل بعض الأنبياء على غيرهم، مثل قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة: 124). فهذه الآية تدل على أن الله تعالى جعل إبراهيم إمامًا للناس، وهذا فضل عظيم.

وقوله تعالى في حق موسى عليه السلام: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا} (النساء: 164). فهذه الآية تدل على أن الله تعالى كلم موسى تكليمًا مباشرًا، وهذا فضل خاص لم يحظ به غيره من الأنبياء.

وقوله تعالى في حق داود عليه السلام: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (ص: 20). فهذه الآية تدل على أن الله تعالى آتى داود الحكمة وفصل الخطاب، وهذا فضل عظيم.

وقوله تعالى في حق سليمان عليه السلام: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 79). فهذه الآية تدل على أن الله تعالى فهم سليمان، وآتاه حكمًا وعلمًا، وسخر له الجبال والطير، وهذا فضل عظيم.

الخلاف بين العلماء في التفضيل بين الرسل

على الرغم من وضوح النصوص القرآنية في إثبات التفضيل بين الرسل، إلا أن العلماء اختلفوا في تحديد معيار هذا التفضيل، وفي تحديد أفضل الأنبياء والرسل. فمنهم من فضل أولي العزم من الرسل، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، لقوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 35).

ومنهم من فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والرسل، لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7). فهذه الآية تدل على أن الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين، ومن محمد صلى الله عليه وسلم، ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وهذا يدل على مكانة خاصة لمحمد صلى الله عليه وسلم.

كما أن هناك أحاديث نبوية كثيرة تدل على فضل محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والرسل، منها قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع (رواه مسلم).

وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن التفضيل بين الرسل أمر توقيفي، أي أنه لا يجوز لنا أن نفاضل بين الأنبياء والرسل بعقولنا، بل يجب علينا أن نقتصر على ما ورد في النصوص الشرعية من تفضيل. وهذا القول هو الأحوط والأرجح، لأنه يحفظ لنا الأدب مع الأنبياء والرسل، ويجنبنا الوقوع في الخطأ والزلل.

الخلاصة

مسألة التفضيل بين الرسل هي مسألة مهمة في العقيدة الإسلامية، يجب علينا أن نفهمها على الوجه الصحيح، وأن نتعامل معها بأدب واحترام. وقد تبين لنا من خلال هذا المقال أن القرآن الكريم قد أثبت التفضيل بين الرسل، وأن العلماء قد اختلفوا في تحديد معيار هذا التفضيل، وفي تحديد أفضل الأنبياء والرسل. والأرجح هو القول بأن التفضيل بين الرسل أمر توقيفي، وأنه يجب علينا أن نقتصر على ما ورد في النصوص الشرعية من تفضيل.

وفي الختام، نؤكد على أن جميع الأنبياء والرسل هم صفوة خلق الله، وأنهم جميعًا يستحقون منا المحبة والتقدير والاحترام. ويجب علينا أن نؤمن بهم جميعًا، وأن نتبع ما جاءوا به من عند الله تعالى. والله أعلم.