ترمب يرفض اعتبار العدوان الإسرائيلي على غزة إبادة جماعية
تحليل موقف ترامب من العدوان الإسرائيلي على غزة ورفضه توصيفه بالإبادة الجماعية
شهد العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، آخرها والذي وثقه الفيديو المنشور على يوتيوب تحت عنوان ترمب يرفض اعتبار العدوان الإسرائيلي على غزة إبادة جماعية (https://www.youtube.com/watch?v=dEI_2II1i3M)، جدلاً واسعاً على المستويات الدولية والإقليمية. هذا الجدل لم يقتصر على طبيعة العمليات العسكرية وتناسبها مع الأهداف المعلنة، بل امتد ليشمل التكييف القانوني لهذه العمليات، وتحديد ما إذا كانت ترتقي إلى مستوى جرائم حرب أو حتى إبادة جماعية. موقف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، كما يظهر في الفيديو، يلعب دوراً محورياً في هذا النقاش، ليس فقط بسبب ثقله السياسي وتأثيره على الرأي العام العالمي، بل أيضاً بسبب تداعياته المحتملة على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ترمب ونهج الدعم المطلق لإسرائيل
منذ وصوله إلى السلطة، تبنى دونالد ترامب سياسة خارجية تميل بشكل واضح إلى دعم إسرائيل، واتسمت بالقطيعة مع التقاليد الدبلوماسية الأمريكية السابقة التي كانت تحاول الحفاظ على نوع من التوازن الظاهري بين الطرفين. تجلى هذا الدعم في قرارات مثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتقليص المساعدات المقدمة لوكالة الأونروا. هذه القرارات، بالإضافة إلى تصريحاته العلنية، عززت الاعتقاد لدى الكثيرين بأن ترامب يتبنى رؤية إسرائيلية خالصة للصراع، ويتجاهل إلى حد كبير المعاناة الفلسطينية.
رفض ترامب توصيف العدوان على غزة بالإبادة الجماعية ينسجم مع هذا النهج. فهو يعكس رغبة في تجنيب إسرائيل أي مساءلة قانونية أو سياسية دولية، ويؤكد على حقها المزعوم في الدفاع عن النفس دون النظر إلى الظروف التي أدت إلى هذا العدوان، أو إلى حجم الخسائر البشرية والمادية التي يتسبب بها في الجانب الفلسطيني. هذا الموقف يثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، ويضعف مصداقيتها كوسيط نزيه في عملية السلام.
مفهوم الإبادة الجماعية في القانون الدولي
لتحديد ما إذا كان العدوان الإسرائيلي على غزة يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، من الضروري الرجوع إلى التعريف القانوني لهذا المصطلح. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة عام 1948، تحدد الإبادة الجماعية بأنها أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً: (أ) قتل أعضاء من الجماعة؛ (ب) إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بأعضاء من الجماعة؛ (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً؛ (د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛ (هـ) نقل أطفال الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
لكي يتم اعتبار عمل ما إبادة جماعية، يجب أن يتوفر فيه عنصران أساسيان: الفعل المادي (actus reus) والقصد الجنائي (mens rea). الفعل المادي يشمل الأفعال المذكورة في الاتفاقية، مثل القتل والإيذاء الجسدي والإخضاع لظروف معيشية قاسية. أما القصد الجنائي، فهو العنصر الأصعب في الإثبات، ويتطلب وجود نية محددة لدى مرتكب الفعل لإهلاك الجماعة المستهدفة، بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً.
العدوان على غزة والإبادة الجماعية: جدل قانوني وسياسي
توصيف العدوان الإسرائيلي على غزة بالإبادة الجماعية يثير جدلاً واسعاً بين القانونيين والسياسيين. يرى البعض أن الأفعال التي ارتكبت خلال هذه العمليات العسكرية، مثل القصف العشوائي للمناطق السكنية، واستهداف البنية التحتية المدنية، وفرض حصار خانق على القطاع، قد ترقى إلى مستوى الفعل المادي للإبادة الجماعية. ويشيرون إلى أن هذه الأفعال أدت إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتسببت في دمار واسع النطاق، وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، وإلى انتشار الأمراض وسوء التغذية.
في المقابل، يرى آخرون أن هذه الأفعال، على الرغم من فداحتها، لا تفي بشرط القصد الجنائي للإبادة الجماعية. ويجادلون بأن إسرائيل لم تكن لديها نية لإهلاك الشعب الفلسطيني في غزة، بل كانت تهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية محددة، مثل تدمير البنية التحتية لحركة حماس، ومنع إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية. ويرون أن الخسائر المدنية كانت نتيجة غير مقصودة للعمليات العسكرية، وأن إسرائيل اتخذت بعض الاحتياطات لتقليل هذه الخسائر، مثل توجيه التحذيرات للسكان قبل القصف.
إثبات القصد الجنائي للإبادة الجماعية أمر بالغ الصعوبة، ويتطلب توافر أدلة قاطعة تثبت أن مرتكب الفعل كان لديه نية محددة لإهلاك الجماعة المستهدفة. غالباً ما تعتمد المحاكم الدولية في هذه الحالات على تحليل السياق العام للأحداث، وعلى تصريحات المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وعلى طبيعة العمليات العسكرية المنفذة، لتحديد ما إذا كان القصد الجنائي متوفراً أم لا.
تداعيات موقف ترامب
رفض ترامب توصيف العدوان على غزة بالإبادة الجماعية له تداعيات خطيرة على عدة مستويات. أولاً، فإنه يساهم في إضفاء الشرعية على العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويشجع إسرائيل على الاستمرار في انتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان. ثانياً، فإنه يقوض الجهود الدولية الرامية إلى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. ثالثاً، فإنه يزيد من شعور الفلسطينيين بالظلم والإحباط، ويعزز التطرف والعنف. رابعاً، فإنه يضعف مصداقية الولايات المتحدة كطرف وسيط في عملية السلام، ويجعل من الصعب التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، فإن موقف ترامب يرسل رسالة سلبية إلى المجتمع الدولي، مفادها أن الدول القوية يمكنها الإفلات من العقاب على ارتكاب جرائم دولية خطيرة، وأن القانون الدولي لا يطبق إلا على الدول الضعيفة. هذا الأمر يقوض النظام الدولي القائم على القواعد، ويهدد السلم والأمن العالميين.
خلاصة
موقف دونالد ترامب من العدوان الإسرائيلي على غزة، كما يظهر في الفيديو المشار إليه، يمثل استمراراً لسياسة الدعم المطلق لإسرائيل التي تبناها خلال فترة ولايته. هذا الموقف، الذي يتجلى في رفضه توصيف العدوان بالإبادة الجماعية، يثير تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، ويضعف مصداقيتها كوسيط نزيه في عملية السلام. كما أن له تداعيات خطيرة على الجهود الدولية الرامية إلى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، ويهدد السلم والأمن العالميين.
يتطلب الوضع في غزة، والوضع الفلسطيني بشكل عام، مقاربة أكثر توازناً وإنصافاً من قبل المجتمع الدولي، مقاربة تحترم حقوق الإنسان والقانون الدولي، وتسعى إلى تحقيق حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حل يضمن الأمن والكرامة لكلا الشعبين.
مقالات مرتبطة