معنى قوله تعالى جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة

تفسير قوله تعالى: جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة

هذا المقال يتناول تفسيرًا وتوضيحًا لقوله تعالى في سورة فاطر: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فاطر: 1). هذا الآية الكريمة تتضمن معاني عظيمة تتعلق بعظمة الله وقدرته، وخلقه للملائكة، ووظائفهم، وتفاوتهم في القدرات والمهام.

السياق العام للآية

تبدأ الآية بالحمد لله، وهو استحقاق ذاتي لله تعالى، فالكمال المطلق والفضل والإنعام كله له وحده. ثم تثني الآية بصفة فاطر السماوات والأرض، أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق. وهذا يؤكد على قدرة الله المطلقة وإبداعه في الخلق. ثم يأتي الجزء المهم الذي نتناوله بالتفصيل وهو: جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء.

تفسير المفردات

• جاعل: أي خالق وصانع، واضع الملائكة في هذه الوظيفة.
• الملائكة: جمع مَلَك، وهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. هم خلق من نور، يختلفون عن البشر في طبيعتهم وقدراتهم.
• رسلا: جمع رسول، والرسول هو المكلف بتبليغ رسالة. هنا يشير إلى أن الملائكة يقومون بدور الوساطة بين الله وخلقه، ينفذون أوامره، ويوصلون الوحي إلى الأنبياء والرسل، وينقلون أعمال العباد.
• أولي أجنحة: أي أصحاب أجنحة. الأجنحة هنا ليست بالضرورة أجنحة مادية بالمعنى الحرفي الذي نعرفه، بل هي كناية عن القدرة على الحركة السريعة والارتفاع والوصول إلى أماكن بعيدة في وقت قصير.
• مثنى وثلاث ورباع: أي بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة. هذا يدل على التفاوت في قوة الملائكة وقدراتهم، وأن الله تعالى خص كل واحد منهم بقدرة معينة تتناسب مع الوظيفة التي كلفه بها.
• يزيد في الخلق ما يشاء: أي يزيد الله في خلق الملائكة من الصفات والقوى ما يشاء، فمنهم من له أكثر من أربعة أجنحة، وهذا تأكيد على قدرة الله المطلقة التي لا تحدها حدود.

المعنى العام للآية

الآية الكريمة تخبرنا أن الله تعالى خلق الملائكة وجعلهم رسلا بينه وبين خلقه. وأن هؤلاء الملائكة يمتلكون أجنحة، وهي كناية عن القدرة الفائقة على الحركة والوصول إلى الأماكن البعيدة بسرعة كبيرة، مما يمكنهم من أداء المهام الموكلة إليهم على أكمل وجه. وأن الملائكة ليسوا على درجة واحدة من القوة والقدرة، بل يتفاوتون في ذلك، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، وقد يكون منهم من له أكثر من ذلك، لأن الله تعالى يزيد في الخلق ما يشاء، ولا يحده شيء.

تفسير أولي الأجنحة

كلمة أولي أجنحة تحمل دلالات عميقة تتجاوز المعنى الظاهري للأجنحة كأعضاء للطيران. يمكن فهمها على النحو التالي:

• السرعة والقدرة على التنفيذ: الأجنحة ترمز إلى السرعة في تنفيذ أوامر الله تعالى والقدرة على الوصول إلى أي مكان يريده الله. فالملائكة ينفذون أوامر الله في الكون بسرعة فائقة، وينقلون الوحي إلى الأنبياء في لحظات، ويقومون بمهامهم المختلفة على أكمل وجه.
• الارتفاع والسمو: الأجنحة ترمز إلى الارتفاع عن مستوى الأرض والسمو الروحي. فالملائكة هم كائنات نورانية مقربة من الله، لا تشغلهم الشهوات والملذات الدنيوية، بل هم دائمو التسبيح والتقديس لله.
• القدرة على التغيير والتحول: قد تدل الأجنحة على القدرة على التغيير والتحول في الشكل والهيئة، وذلك بما يتناسب مع المهمة التي يؤدونها. فقد ورد في الأحاديث النبوية أن جبريل عليه السلام كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صور مختلفة، منها صورة بشر ومنها صورة ملك عظيم له ستمائة جناح.

التفاوت في قدرات الملائكة

قوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع يدل على أن الملائكة ليسوا على درجة واحدة من القوة والقدرة، بل يتفاوتون في ذلك. هذا التفاوت يرجع إلى طبيعة المهام التي كلفوا بها. فمنهم من كلف بمهام بسيطة، ومنهم من كلف بمهام عظيمة تتطلب قدرات خاصة. ومن الأمثلة على ذلك:

• جبريل عليه السلام: هو أعظم الملائكة وأقربهم إلى الله، وهو المكلف بإنزال الوحي على الأنبياء والرسل. وقد ورد في الأحاديث النبوية أنه كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ملك عظيم له ستمائة جناح.
• ميكائيل عليه السلام: هو المكلف بإنزال المطر وتوزيع الأرزاق على الخلق.
• إسرافيل عليه السلام: هو المكلف بالنفخ في الصور يوم القيامة.
• ملائكة حفظة: وهم المكلفون بحفظ الإنسان من الشرور والمصائب.
• ملائكة كتبة: وهم المكلفون بتسجيل أعمال الإنسان من خير وشر.

يزيد في الخلق ما يشاء

هذه الجملة تؤكد على قدرة الله المطلقة التي لا تحدها حدود. فالله تعالى قادر على أن يخلق ما يشاء من المخلوقات، وأن يزيد في خلقها من الصفات والقوى ما يشاء. وهذا يشمل الملائكة وغيرهم من المخلوقات. فالله تعالى قادر على أن يخلق ملائكة لهم أجنحة أكثر من أربعة، وقادر على أن يخلق ملائكة ليس لهم أجنحة أصلا، وقادر على أن يخلق مخلوقات أخرى لا نعلم عنها شيئا.

الفوائد المستنبطة من الآية

هناك العديد من الفوائد التي يمكن استنباطها من هذه الآية الكريمة، منها:

• إثبات وجود الملائكة: الآية تثبت وجود الملائكة، وهم خلق من نور، مكرمون عند الله، يقومون بمهام عظيمة في الكون.
• عظمة الله وقدرته: الآية تدل على عظمة الله وقدرته المطلقة، فهو خالق كل شيء، وقادر على كل شيء.
• التفاوت في الخلق: الآية تدل على أن الله تعالى خلق المخلوقات متفاوتة في القوة والقدرة، وهذا يدل على حكمته وعلمه.
• أهمية الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة هو أحد أركان الإيمان، وهو جزء أساسي من العقيدة الإسلامية.
• التأمل في خلق الله: الآية تدعونا إلى التأمل في خلق الله، والتفكر في عظمته وقدرته.

رابط الفيديو

يمكنكم مشاهدة المزيد من التفاصيل والتفسيرات في هذا الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=z6r2mCh3VL0

الخلاصة

في الختام، فإن قوله تعالى: جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء هو آية عظيمة تدل على عظمة الله وقدرته، وتخبرنا عن خلق الملائكة ووظائفهم، وتفاوتهم في القدرات والمهام. فالملائكة هم رسل الله إلى خلقه، وهم يقومون بتنفيذ أوامره في الكون، وينقلون الوحي إلى الأنبياء والرسل، ويسجلون أعمال العباد. والإيمان بالملائكة هو جزء أساسي من العقيدة الإسلامية، ويدعونا إلى التأمل في خلق الله والتفكر في عظمته وقدرته. نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا الإيمان الكامل واليقين الصادق.