معنى قوله تعالى إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وإن الله لا يخلف الميعاد

تفسير قوله تعالى: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد

يعدّ فهم معاني القرآن الكريم من أهم الأمور التي ينبغي على المسلم الاهتمام بها، فالقرآن هو دستور حياتنا ومنهجنا القويم، وهو النور الذي يهدينا في ظلمات الدنيا. ومن بين آيات القرآن الكريم التي تحمل في طياتها معاني عظيمة، قوله تعالى في سورة القصص: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ (القصص: 85).

هذه الآية الكريمة نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فترة عصيبة من حياته، وهي فترة هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. كان النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بالحزن الشديد لفراقه لمكة، موطنه وموطن أجداده، والبلد الذي شهد ميلاده ونشأته. وفي هذه اللحظات الصعبة، نزلت هذه الآية لتطمئن قلبه وتخبره بأن الله الذي فرض عليه القرآن سيَردّه إلى مكة منتصراً وظافراً.

معنى الآية لغة وتفسيرا

لفهم الآية بشكل أعمق، لا بد من تحليل مفرداتها ودلالاتها اللغوية والتفسيرية:

• إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ: هذه الجملة تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفرضه عليه وعلى أمته. والفرض هنا يعني الإلزام والتشريع، أي أن الله ألزم النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ القرآن وتعليمه للناس، وجعله شريعة ودستورًا لهم.
• لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ: هذه الجملة هي محور الآية، وتحمل بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم. كلمة رادك تعني مرجعك أو معادك، وكلمة معاد اختلف المفسرون في تحديد معناها، ولكن أشهر الأقوال وأكثرها ترجيحاً هو أن المعاد هنا يعني مكة المكرمة. وبالتالي، فإن معنى الجملة هو: إن الله الذي أنزل عليك القرآن سيَردّك إلى مكة منتصراً.
• قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ: هذه الجملة هي رد على المكذبين والمعاندين الذين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بالضلال والكذب. تأمر الآية النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: ربي أعلم من هو المهتدي ومن هو الضال، أي أن الله وحده هو الذي يعلم الحقائق، وهو الذي سيحكم بينكم يوم القيامة.

دلالات الآية وأهميتها

تحمل هذه الآية دلالات عظيمة وأهمية بالغة، نذكر منها:

• بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم: تعد هذه الآية بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعودته إلى مكة منتصراً، وقد تحقق ذلك بالفعل بعد سنوات قليلة من الهجرة، عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها منتصراً، وأزال الأصنام من الكعبة المشرفة.
• تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الآية في وقت كان النبي صلى الله عليه وسلم يشعر فيه بالحزن والألم لفراق مكة، فجاءت هذه الآية لتثبت قلبه وتطمئنه، وتذكره بأن الله معه ولن يخذله.
• دليل على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم: تحقق وعد الله للنبي صلى الله عليه وسلم بعودته إلى مكة، وهذا دليل قاطع على صدق نبوته وأنه رسول من عند الله.
• درس للمؤمنين في الثقة بالله: تعلمنا هذه الآية أهمية الثقة بالله واليقين بوعده، فالله لا يخلف الميعاد، وسينصر عباده المؤمنين ولو بعد حين.
• تذكير بأهمية القرآن الكريم: تؤكد الآية على أهمية القرآن الكريم وأنه هو الهداية والنور الذي يهدينا في ظلمات الدنيا، وأنه هو الدستور الذي يجب أن نتبعه في حياتنا.

تفسيرات أخرى لمعنى معاد

بالإضافة إلى التفسير المشهور بأن المعاد هو مكة المكرمة، هناك تفسيرات أخرى ذكرها المفسرون، منها:

• المعاد هو الجنة: يرى بعض المفسرين أن المعاد هنا هو الجنة، أي أن الله سيرد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة في الآخرة. وهذا التفسير يتفق مع معنى الآية، فالجنة هي المعاد الحقيقي لكل مؤمن.
• المعاد هو يوم القيامة: يرى بعض المفسرين أن المعاد هو يوم القيامة، أي أن الله سيرد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ليجازيَه على ما قدمه للإسلام والمسلمين.

وعلى الرغم من اختلاف هذه التفسيرات، إلا أنها تتفق في أن الآية تحمل بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم وتؤكد على أن الله معه ولن يخذله.

الخلاصة

إن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ آية عظيمة تحمل في طياتها بشارة عظيمة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتذكيراً بأهمية الثقة بالله واليقين بوعده، وتأكيداً على أهمية القرآن الكريم وأنه هو الهداية والنور الذي يهدينا في ظلمات الدنيا. يجب علينا أن نتدبر معاني هذه الآية وغيرها من آيات القرآن الكريم، وأن نعمل بها في حياتنا، لنكون من الفائزين في الدنيا والآخرة.

لمزيد من التفصيل والشرح، يمكنكم مشاهدة الفيديو الموجود على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=UURvdPPY_L0