الحج فالسعودية عبادة وثنية وصناعة شيطان بعشرات الأدلة من كتاب الله الذي ينطق بالحق

تحليل نقدي لفيديو يوتيوب بعنوان الحج فالسعودية عبادة وثنية وصناعة شيطان بعشرات الأدلة من كتاب الله الذي ينطق بالحق

يثير الفيديو المعنون الحج فالسعودية عبادة وثنية وصناعة شيطان بعشرات الأدلة من كتاب الله الذي ينطق بالحق المنشور على يوتيوب (الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=UmxmzBeY98A&pp=0gcJCeAJAYcqIYzv) جدلاً واسعاً حول فريضة الحج ومكانتها في الإسلام. يقدم الفيديو ادعاءات جريئة حول طبيعة الحج، واصفاً إياه بالعبادة الوثنية والصناعة الشيطانية، مستنداً في ذلك - كما يدعي - إلى أدلة من القرآن الكريم. يهدف هذا المقال إلى تحليل هذه الادعاءات تحليلاً نقدياً، مع استعراض الأدلة القرآنية والنصوص الإسلامية الأخرى المتعلقة بالحج، ومناقشة مدى صحة هذه الادعاءات وموضوعيتها.

الخلفية الدينية والتاريخية للحج

الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع. يتضمن الحج زيارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وأداء جملة من المناسك والشعائر التي تعود في أصولها إلى النبي إبراهيم عليه السلام. يعتبر الحج رمزاً للوحدة الإسلامية والمساواة بين المسلمين، حيث يجتمع المسلمون من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، بغض النظر عن جنسياتهم أو أعراقهم أو طبقاتهم الاجتماعية، لأداء هذه الفريضة العظيمة.

تاريخياً، يمتد الحج إلى ما قبل الإسلام، حيث كان العرب في الجاهلية يمارسون بعض الطقوس الدينية حول الكعبة، ولكن بعد ظهور الإسلام قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة من الأصنام والطقوس الوثنية، وأعاد الحج إلى أصله التوحيدي. وقد ورد ذكر الحج في القرآن الكريم في عدة آيات، منها قوله تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (الحج: 27)، وقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران: 97).

تحليل ادعاءات الفيديو

يرتكز الفيديو المذكور على عدة ادعاءات رئيسية، منها:

1. الحج عبادة وثنية: يزعم الفيديو أن الطواف حول الكعبة وتقبيل الحجر الأسود ما هي إلا مظاهر من مظاهر الوثنية، وأن هذه الطقوس لا تتفق مع التوحيد الخالص لله عز وجل.
2. الحج صناعة شيطانية: يدعي الفيديو أن الحج يتم استغلاله من قبل السلطات السعودية لتحقيق مكاسب مادية وسياسية، وأن هذا الاستغلال يحول الحج إلى صناعة شيطانية.
3. أدلة قرآنية: يزعم الفيديو أنه يستند في ادعاءاته إلى أدلة من القرآن الكريم، ولكنه يقدم تفسيرات غير تقليدية للنصوص القرآنية، ويتجاهل السياق التاريخي واللغوي لهذه النصوص.

لتحليل هذه الادعاءات، يجب الرجوع إلى النصوص القرآنية والسنة النبوية، وإلى أقوال العلماء والمفسرين المعتبرين. بالنسبة للادعاء الأول، فإن الطواف حول الكعبة ليس عبادة لذات الكعبة، وإنما هو عبادة لله عز وجل، واستجابة لأمره. فالكعبة هي بيت الله الحرام، وهي قبلة المسلمين في صلاتهم، وهي رمز للوحدة والتوحيد. أما تقبيل الحجر الأسود، فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس عبادة للحجر ذاته، وإنما هو تعبير عن الحب والتقدير لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع لأوامره. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وهذا يدل على أن تقبيل الحجر ليس عبادة للحجر، وإنما هو اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

بالنسبة للادعاء الثاني، فإن استغلال الحج لتحقيق مكاسب مادية وسياسية هو أمر مرفوض، ولكنه لا ينفي فريضة الحج ولا يبطلها. فالحج هو فريضة على كل مسلم مستطيع، ولا يجوز للمسلمين أن يتركوا هذه الفريضة بسبب وجود بعض المخالفات أو الأخطاء من قبل بعض الأشخاص أو الجهات. يجب على المسلمين أن يسعوا جاهدين لتصحيح هذه المخالفات والأخطاء، وأن يحافظوا على قدسية الحج وطهارته.

أما بالنسبة للادعاء الثالث، فإن التفسيرات التي يقدمها الفيديو للنصوص القرآنية هي تفسيرات غير تقليدية، وتعتمد على التأويلات الباطنية التي لا تستند إلى قواعد اللغة العربية ولا إلى أقوال العلماء والمفسرين المعتبرين. فالقرآن الكريم له ظاهر وباطن، ولكن يجب أن يكون الباطن متفقاً مع الظاهر، وأن لا يتعارض معه. ولا يجوز للمسلمين أن يأخذوا ببعض الآيات ويتركوا بعضها الآخر، وإنما يجب عليهم أن يأخذوا بالقرآن كله، وأن يفهموه على الوجه الصحيح.

الردود العلمية والفقهية على الادعاءات

هناك العديد من الردود العلمية والفقهية على هذه الادعاءات، وقد قام العلماء والمختصون بتفنيد هذه الشبهات وبيان زيفها. ومن هذه الردود:

• بيان أن الطواف والسعي والرمي وغيرها من مناسك الحج هي عبادات لله وحده، وليست عبادة للأصنام أو الأوثان. فالطواف حول الكعبة هو تعظيم لله عز وجل، والسعي بين الصفا والمروة هو تذكير بابتلاء هاجر عليها السلام، ورمي الجمرات هو تذكير بعداوة الشيطان ووجوب محاربته.
• التأكيد على أن الحج هو فريضة على كل مسلم مستطيع، وأن هذه الفريضة لا تسقط بسبب وجود بعض المخالفات أو الأخطاء. يجب على المسلمين أن يسعوا جاهدين لتصحيح هذه المخالفات والأخطاء، وأن يحافظوا على قدسية الحج وطهارته.
• توضيح أن التفسيرات التي يقدمها الفيديو للنصوص القرآنية هي تفسيرات غير صحيحة، وأنها تخالف أقوال العلماء والمفسرين المعتبرين. يجب على المسلمين أن يتعلموا التفسير الصحيح للقرآن الكريم، وأن لا يعتمدوا على التأويلات الباطنية التي لا تستند إلى قواعد اللغة العربية ولا إلى أقوال العلماء.

الخلاصة

إن الفيديو المذكور يقدم ادعاءات باطلة حول فريضة الحج، ويستند في ذلك إلى تفسيرات غير صحيحة للنصوص القرآنية. يجب على المسلمين أن يكونوا حذرين من هذه الادعاءات، وأن لا يصدقوا كل ما يسمعونه أو يشاهدونه. يجب عليهم أن يتعلموا الدين الإسلامي من مصادره الصحيحة، وأن يسألوا أهل العلم والاختصاص عما يشكل عليهم. فالحج هو فريضة عظيمة، وهو رمز للوحدة الإسلامية والمساواة بين المسلمين، ويجب على المسلمين أن يحافظوا على قدسية الحج وطهارته، وأن يسعوا جاهدين لتصحيح أي مخالفات أو أخطاء قد تحدث فيه.