لماذا يعول النظام السوري والجهات الداعمة له على المساعدة الروسية والإيرانية
لماذا يعول النظام السوري والجهات الداعمة له على المساعدة الروسية والإيرانية؟
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، تحولت البلاد إلى ساحة صراع معقدة، تشابكت فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتداخلت فيها أطراف داخلية وخارجية، وترسخت فيها تحالفات استراتيجية. في قلب هذه التحالفات، يبرز الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري كعامل حاسم في بقائه واستمراره. يثير هذا الدعم تساؤلات جوهرية حول الأسباب الكامنة وراء هذا الاعتماد الوثيق، والدوافع التي تحرك كل من روسيا وإيران في تقديم هذا الدعم السخي، والتداعيات المترتبة على هذا التعاون على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها.
أولاً: طبيعة النظام السوري وحاجته إلى الدعم الخارجي
لفهم الاعتماد السوري على الدعم الروسي والإيراني، يجب أولاً تحليل طبيعة النظام السوري نفسه. يتميز النظام بهيمنة حزب البعث العربي الاشتراكي، وتمركز السلطة في يد عائلة الأسد، واعتماده على شبكة واسعة من المحسوبية والولاءات. هذه البنية السلطوية، التي استمرت لعقود، خلقت حالة من الاستياء الشعبي المتراكم، والذي انفجر في شكل احتجاجات واسعة النطاق عام 2011. تعامل النظام مع هذه الاحتجاجات بعنف مفرط، مما أدى إلى تحولها إلى صراع مسلح شامل.
في ظل هذا الصراع، فقد النظام السوري سيطرته على مناطق واسعة من البلاد، وتآكلت قدراته العسكرية والاقتصادية. أصبح النظام يعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي للبقاء، سواء من حيث توفير السلاح والعتاد، أو من حيث تقديم الدعم المالي والسياسي. الدعم الروسي والإيراني كان حاسماً في سد هذه الثغرات، وتمكين النظام من استعادة السيطرة على بعض المناطق التي فقدها.
ثانياً: الدوافع الروسية في دعم النظام السوري
يمكن تلخيص الدوافع الروسية في دعم النظام السوري في عدة نقاط رئيسية:
- المصالح الجيوسياسية: تعتبر سوريا حليفاً استراتيجياً لروسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. يتيح الوجود العسكري الروسي في سوريا، وخاصة قاعدة طرطوس البحرية، لروسيا الحفاظ على نفوذها في البحر الأبيض المتوسط، والتنافس مع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
- مكافحة الإرهاب: تعتبر روسيا أن النظام السوري هو حليف في الحرب ضد الإرهاب، وأن سقوط النظام سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة، وظهور جماعات متطرفة جديدة. ترى روسيا أن دعم النظام السوري هو جزء من استراتيجيتها الأوسع لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.
- الدفاع عن النظام الدولي القائم: ترى روسيا أن التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول، وخاصة تلك التي تهدف إلى تغيير الأنظمة، هي انتهاك للقانون الدولي، وتقويض للنظام الدولي القائم. ترى روسيا أن دعم النظام السوري هو دفاع عن مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
- إعادة تأكيد الدور الروسي كقوة عظمى: تسعى روسيا إلى استعادة دورها كقوة عظمى على الساحة الدولية، والتأكيد على قدرتها على التأثير في الأحداث العالمية. ترى روسيا أن دعم النظام السوري هو فرصة لإظهار قوتها ونفوذها، والتحدي للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ثالثاً: الدوافع الإيرانية في دعم النظام السوري
يمكن تلخيص الدوافع الإيرانية في دعم النظام السوري في عدة نقاط رئيسية:
- المصالح الأمنية: تعتبر إيران أن النظام السوري هو جزء أساسي من محور المقاومة ضد إسرائيل، وأن سقوط النظام سيؤدي إلى تقويض هذا المحور، وتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. ترى إيران أن دعم النظام السوري هو دفاع عن مصالحها الأمنية القومية.
- المصالح المذهبية: يمثل العلويون، الذين ينتمي إليهم الرئيس السوري بشار الأسد، أقلية دينية مرتبطة بالشيعة. ترى إيران أن حماية الأقليات الشيعية في المنطقة هو واجب ديني، وأن دعم النظام السوري هو جزء من هذا الواجب.
- المصالح الاقتصادية: تربط إيران وسوريا علاقات اقتصادية وثيقة، وتعتبر سوريا بوابة إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. ترى إيران أن دعم النظام السوري هو ضروري للحفاظ على هذه العلاقات الاقتصادية، وتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
- مواجهة النفوذ الإقليمي للمملكة العربية السعودية: تتنافس إيران والمملكة العربية السعودية على النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. ترى إيران أن دعم النظام السوري هو وسيلة لمواجهة النفوذ السعودي في المنطقة، ومنع المملكة من تحقيق أهدافها الإقليمية.
رابعاً: التداعيات المترتبة على الدعم الروسي والإيراني
الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري له تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها:
- إطالة أمد الصراع: ساهم الدعم الروسي والإيراني في إطالة أمد الصراع في سوريا، وتأخير التوصل إلى حل سياسي للأزمة.
- تفاقم الأزمة الإنسانية: أدى الصراع الطويل الأمد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، وتشريد الملايين من السوريين.
- تعزيز النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة: ساهم الدعم الروسي والإيراني في تعزيز نفوذ البلدين في منطقة الشرق الأوسط، وتقويض النفوذ الأمريكي.
- زيادة التوترات الإقليمية: أدى الصراع في سوريا إلى زيادة التوترات الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية، وبين روسيا والولايات المتحدة.
- ظهور جماعات متطرفة: استغل الجماعات المتطرفة الفوضى والصراع في سوريا لتوسيع نفوذها، وتجنيد مقاتلين جدد.
خامساً: مستقبل العلاقة بين النظام السوري وروسيا وإيران
من المتوقع أن تستمر العلاقة الوثيقة بين النظام السوري وروسيا وإيران في المستقبل المنظور. ومع ذلك، قد تشهد هذه العلاقة بعض التغييرات والتطورات، وذلك بسبب عدة عوامل:
- الوضع الاقتصادي في سوريا: يعاني الاقتصاد السوري من أزمة حادة، وقد يضطر النظام السوري إلى الاعتماد بشكل أكبر على المساعدات الاقتصادية من روسيا وإيران.
- التغيرات في موازين القوى الإقليمية: قد تؤدي التغيرات في موازين القوى الإقليمية إلى تغيير في طبيعة العلاقة بين النظام السوري وروسيا وإيران.
- الضغوط الدولية: قد تفرض المجتمع الدولي ضغوطاً إضافية على النظام السوري وروسيا وإيران، مما قد يؤثر على طبيعة العلاقة بينهما.
في الختام، يمكن القول أن الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري هو عامل حاسم في بقائه واستمراره. يعتمد النظام السوري بشكل كبير على هذا الدعم، سواء من حيث توفير السلاح والعتاد، أو من حيث تقديم الدعم المالي والسياسي. للدعم الروسي والإيراني دوافع جيوسياسية وأمنية ومذهبية واقتصادية. هذا الدعم له تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها. من المتوقع أن تستمر العلاقة الوثيقة بين النظام السوري وروسيا وإيران في المستقبل المنظور، ولكن قد تشهد هذه العلاقة بعض التغييرات والتطورات.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة