لماذا يرغب العلماء في شمّ المومياوات المصرية القديمة

لماذا يرغب العلماء في شمّ المومياوات المصرية القديمة؟ رحلة عبر الزمان والمكان

يثير عنوان فيديو اليوتيوب لماذا يرغب العلماء في شمّ المومياوات المصرية القديمة؟ فضولاً ودهشة لدى الكثيرين. فالصورة النمطية للمومياء غالباً ما ترتبط بالتحنيط والغموض والتاريخ القديم، وليس بالضرورة بالروائح. لكن الفيديو، والرابط الخاص به: https://www.youtube.com/watch?v=TrZybzfNN_A، يفتح نافذة على جانب آخر من علم المصريات، جانب يعتمد على الحواس، وتحديداً حاسة الشم، في محاولة لفهم أعمق لطقوس الدفن والحياة في مصر القديمة.

قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى، لكن الرغبة في شمّ المومياوات لا تنبع من مجرد الفضول الغريب، بل من أهداف علمية دقيقة ومحددة. فالروائح تحمل معلومات قيمة، تماماً مثل النصوص الهيروغليفية أو القطع الأثرية. يمكن للروائح أن تكشف عن تفاصيل مهمة حول المواد المستخدمة في التحنيط، وعن الأعشاب والزيوت العطرية التي كانت تستخدم في الطقوس الدينية، وحتى عن الحالة الصحية للمتوفى قبل وفاته.

التحنيط: عملية معقدة ورائحة مميزة

كان التحنيط في مصر القديمة عملية معقدة وطويلة، تهدف إلى الحفاظ على الجسد لأطول فترة ممكنة، اعتقاداً منهم بأهمية ذلك للحياة الأبدية. تتضمن هذه العملية إزالة الأحشاء الداخلية، وتجفيف الجسم بالملح (النطرون)، ثم لف الجسم بالكتان المشبع بالزيوت العطرية والأعشاب والتوابل. كل هذه المواد تترك بصمة عطرية مميزة، يمكن للعلماء اليوم محاولة فك شفرتها.

فكر في الأمر كتحقيق جنائي قديم. في مسرح الجريمة الحديث، يستخدم المحققون حواسهم، بما في ذلك حاسة الشم، لتحديد المواد المستخدمة، ومكان وجود الجثة، وحتى الفترة الزمنية التي انقضت منذ وقوع الجريمة. بالمثل، يمكن للعلماء من خلال شمّ المومياء تحديد المواد المستخدمة في التحنيط، ومصدرها الجغرافي، وحتى الطقوس الدينية التي تم تطبيقها على الجسد.

ما الذي يمكن أن تكشفه الروائح؟

تحديد مواد التحنيط: يمكن للتحليل الكيميائي للروائح المنبعثة من المومياء أن يكشف عن أنواع الزيوت العطرية والأعشاب المستخدمة في التحنيط. هذه المعلومات يمكن أن تلقي الضوء على التجارة في مصر القديمة، حيث أن بعض المواد المستخدمة ربما كانت تأتي من مناطق بعيدة.

فهم الطقوس الدينية: كانت الروائح تلعب دوراً مهماً في الطقوس الدينية في مصر القديمة. استخدام أنواع معينة من البخور والزيوت العطرية كان مرتبطاً بآلهة محددة، أو بمراحل معينة من عملية التحنيط. يمكن للعلماء من خلال تحديد هذه الروائح فهم المعنى الرمزي للطقوس الدينية.

معرفة الحالة الصحية للمتوفى: في بعض الحالات، قد تحمل الروائح معلومات عن الحالة الصحية للمتوفى قبل وفاته. على سبيل المثال، قد تشير بعض الروائح إلى وجود عدوى أو مرض مزمن كان يعاني منه الشخص.

إعادة بناء تجربة الماضي: تخيل أن تكون قادراً على استنشاق نفس الروائح التي كان يستنشقها المصريون القدماء أثناء طقوس الدفن. هذا يمكن أن يوفر تجربة حسية فريدة، ويساعدنا على فهم حياتهم وثقافتهم بشكل أعمق.

التحديات والمخاطر

بالطبع، لا تخلو عملية شمّ المومياوات من التحديات والمخاطر. أولاً، الروائح قد تكون ضعيفة جداً أو متلاشية بعد آلاف السنين. ثانياً، قد تكون هناك مواد كيميائية خطرة في المومياء، أو قد تكون هناك جراثيم أو بكتيريا يمكن أن تسبب الأمراض. لذلك، يجب على العلماء اتخاذ احتياطات السلامة اللازمة، واستخدام أجهزة متطورة لتحليل الروائح دون تعريض أنفسهم للخطر.

بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة الجوانب الأخلاقية. فالمومياوات ليست مجرد قطع أثرية، بل هي بقايا بشرية تستحق الاحترام. يجب على العلماء الحصول على تصاريح رسمية قبل إجراء أي دراسات، والتأكد من أن أبحاثهم لا تلحق أي ضرر بالمومياوات.

كيف يتم شمّ المومياء؟

لا يتم شمّ المومياء بالمعنى الحرفي للكلمة. بدلاً من ذلك، يستخدم العلماء أجهزة متطورة لجمع عينات من الهواء المحيط بالمومياء، ثم يقومون بتحليل هذه العينات في المختبر. تستخدم تقنيات مثل كروماتوغرافيا الغاز-مطياف الكتلة (GC-MS) لتحديد المكونات الكيميائية المختلفة في العينة، وتحديد الروائح التي تنبعث من المومياء.

في بعض الحالات، قد يتم استخدام تقنيات تصوير متقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، لفحص المومياء من الداخل دون الحاجة إلى فتحها. هذا يمكن أن يساعد في تحديد وجود أي مواد عطرية مخبأة داخل الجسم.

أمثلة على الدراسات الناجحة

هناك العديد من الدراسات الناجحة التي استخدمت تحليل الروائح للكشف عن معلومات قيمة حول المومياوات المصرية القديمة. على سبيل المثال، تمكن العلماء من تحديد أنواع الزيوت العطرية المستخدمة في تحنيط توت عنخ آمون، مما ساعد في فهم الطقوس الدينية التي تم تطبيقها عليه.

في دراسة أخرى، تمكن العلماء من تحديد وجود بقايا بخور على مومياء كاهنة مصرية قديمة، مما يشير إلى أنها كانت تلعب دوراً مهماً في الطقوس الدينية.

الخلاصة

إن الرغبة في شمّ المومياوات المصرية القديمة ليست مجرد فضول غريب، بل هي محاولة جادة لفهم أعمق لطقوس الدفن والحياة في مصر القديمة. الروائح تحمل معلومات قيمة يمكن أن تكشف عن تفاصيل مهمة حول المواد المستخدمة في التحنيط، والطقوس الدينية، وحتى الحالة الصحية للمتوفى.

على الرغم من التحديات والمخاطر، فإن التقدم التكنولوجي سمح للعلماء بتحليل الروائح المنبعثة من المومياوات بطرق آمنة وفعالة. النتائج التي تم الحصول عليها حتى الآن واعدة جداً، وتشير إلى أن هذا المجال من البحث لديه إمكانات كبيرة للكشف عن أسرار جديدة حول الحضارة المصرية القديمة.

لذا، في المرة القادمة التي ترى فيها مومياء مصرية قديمة، تذكر أنها ليست مجرد جسد محنط، بل هي كبسولة زمنية تحمل في طياتها روائح وأسرار الماضي. ربما في يوم من الأيام، سنتمكن من استنشاق هذه الروائح وفهم حياة المصريين القدماء بشكل أفضل.