التحريم من الله فقط و البشر لا تحرم بل تحلل المواقف لترى ان كانت من الأمر بالمعروف او من المنكر

التحريم من الله فقط: تحليل لمضمون فيديو يوتيوب

يتناول فيديو اليوتيوب المعنون التحريم من الله فقط و البشر لا تحرم بل تحلل المواقف لترى ان كانت من الأمر بالمعروف او من المنكر موضوعاً بالغ الأهمية في الفكر الإسلامي، وهو سلطة التحريم والتحليل. يدعو الفيديو، كما يتضح من عنوانه، إلى حصر حق التحريم بالله سبحانه وتعالى، مع التأكيد على أن دور البشر يقتصر على فهم وتطبيق الشرع، وتحليل المواقف والأفعال لتبين ما إذا كانت من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، وليس إصدار أحكام تحريمية من تلقاء أنفسهم. سنقوم في هذا المقال بتحليل الأفكار الرئيسية التي يطرحها الفيديو، وتقييم مدى صحتها وملاءمتها مع النصوص الشرعية، مع الأخذ في الاعتبار السياقات المختلفة التي يمكن أن يثيرها هذا الموضوع.

التحريم حق خالص لله

النقطة المحورية التي يدور حولها الفيديو هي أن التحريم والتحليل حق خالص لله سبحانه وتعالى. وهذا المبدأ مستمد من صريح القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (النحل: 116). هذه الآية الكريمة تنبه إلى خطورة ادعاء التحليل والتحريم بغير سلطان من الله، وتعتبر ذلك افتراءً على الله وكذباً عليه، وتوعدت من يفعل ذلك بعدم الفلاح. فالتحريم هو منع الشيء، والتحليل هو إباحته، وهذه السلطة لا يملكها إلا الخالق عز وجل، لأنه هو وحده الذي يملك حق التشريع.

ويستند هذا المبدأ أيضاً إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بمصالح عباده، وهو الأقدر على تقدير ما ينفعهم وما يضرهم. وبالتالي، فإن التشريع الذي يصدر منه هو التشريع الحق الذي يحقق العدل والمصلحة للجميع. أما التشريعات التي يصدرها البشر، فهي عرضة للخطأ والنقص والهوى، وقد تكون مبنية على مصالح شخصية أو فئوية، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق العدل والمصلحة العامة.

دور البشر: الفهم والتطبيق والتحليل

لا يعني حصر حق التحريم بالله تعالى أن دور البشر ينتهي عند هذا الحد. فالبشر مكلفون بفهم الشرع وتطبيقه في حياتهم، والسعي إلى نشره وتبليغه للناس. كما أنهم مكلفون بتحليل المواقف والأفعال لتبين ما إذا كانت متوافقة مع الشرع أم مخالفة له. وهذا التحليل يتطلب العلم بالشريعة الإسلامية، والفهم العميق لأصولها وقواعدها، والقدرة على الاستنباط والاستقراء.

ويشير الفيديو إلى أن دور البشر يقتصر على تحديد ما إذا كان الفعل من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر. وهذا التحديد يتطلب دراسة الفعل في ضوء النصوص الشرعية، والنظر في مقاصد الشريعة، ومراعاة السياقات المختلفة التي يمكن أن تحدث فيها الأفعال. فقد يكون الفعل في ظاهره مباحاً، ولكنه في حقيقته مخالف للشرع، أو قد يكون الفعل في ظاهره حراماً، ولكنه في حقيقته جائز لحاجة أو ضرورة.

على سبيل المثال، قد يكون الكذب محرماً في الأصل، ولكنه يجوز في بعض الحالات النادرة، مثل الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، أو الكذب لإنقاذ حياة إنسان. وفي هذه الحالات، يكون الكذب جائزاً لأنه يحقق مصلحة أكبر، ويدفع مفسدة أعظم. وهذا التحليل يتطلب فقهاً عميقاً بالشريعة الإسلامية، وقدرة على الموازنة بين المصالح والمفاسد.

خطورة التوسع في التحريم

يحذر الفيديو من خطورة التوسع في التحريم، وإصدار أحكام تحريمية بغير دليل شرعي واضح. فالتوسع في التحريم يؤدي إلى تضييق الخناق على الناس، وتعطيل مصالحهم، وتنفيرهم من الدين. كما أنه يؤدي إلى نشوء نزاعات وخلافات بين المسلمين، وإلى اتهام بعضهم بعضاً بالابتداع والضلال.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التوسع في التحريم، فقال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها. هذا الحديث الشريف يدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن التحريم لا يكون إلا بدليل شرعي واضح. وما سكت الله عنه فهو عفو ورحمة منه، ولا يجوز للمسلم أن يبحث عنه ويحرمه بغير دليل.

أهمية الاجتهاد والتجديد

لا يعني حصر حق التحريم بالله تعالى أن باب الاجتهاد قد أغلق، وأن المسلمين يجب أن يقتصروا على تقليد ما قاله السابقون. فالاجتهاد ضروري لمواكبة التطورات الحديثة، ولإيجاد حلول شرعية للمشاكل المستجدة. والاجتهاد هو بذل الجهد للوصول إلى الحكم الشرعي في مسألة معينة، بناءً على الأدلة الشرعية والقواعد الأصولية.

كما أن التجديد ضروري لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتنقيتها من الشوائب، وتقديمها للناس بأسلوب عصري ومناسب. والتجديد لا يعني تغيير الدين أو تحريفه، وإنما يعني فهمه فهماً صحيحاً، وتطبيقه تطبيقاً سليماً، وتقديمه للناس بأسلوب جذاب ومقنع.

ولكن يجب أن يكون الاجتهاد والتجديد مبنيين على العلم الشرعي، والفهم العميق لأصول الشريعة وقواعدها، ومراعاة مقاصد الشريعة، والسعي إلى تحقيق العدل والمصلحة للجميع. كما يجب أن يكون الاجتهاد والتجديد خاضعين للرقابة الشرعية، وأن يتم من قبل علماء متخصصين مؤهلين لذلك.

خلاصة

فيديو اليوتيوب التحريم من الله فقط و البشر لا تحرم بل تحلل المواقف لترى ان كانت من الأمر بالمعروف او من المنكر يطرح فكرة مهمة وهي حصر حق التحريم والتحليل بالله سبحانه وتعالى، مع التأكيد على أن دور البشر يقتصر على فهم وتطبيق الشرع، وتحليل المواقف والأفعال لتبين ما إذا كانت متوافقة مع الشرع أم مخالفة له. هذه الفكرة مستمدة من صريح القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتدعو إلى عدم التوسع في التحريم بغير دليل شرعي واضح، وإلى الاجتهاد والتجديد في إطار الشريعة الإسلامية.

إن فهم هذه القضية فهماً صحيحاً يساعد على تجنب الغلو والتطرف، وعلى تحقيق العدل والمصلحة للجميع، وعلى بناء مجتمع إسلامي متسامح ومنفتح، وقادر على مواجهة التحديات الحديثة.