إحذروا هذه الأخطاء عند التدبر آفة الحوار فى اللايف

إحذروا هذه الأخطاء عند التدبر: آفة الحوار في اللايف

في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبحت البثوث المباشرة (اللايف) منصة حيوية للتفاعل والتواصل وتبادل الأفكار. ومن بين أنواع البثوث المباشرة المتنوعة، تحتل البثوث التي تتناول مواضيع دينية وتدبرية مكانة خاصة، حيث يسعى المشاهدون إلى فهم أعمق للدين وتعاليمه، وتطبيقها في حياتهم اليومية. إلا أن هذا النوع من البثوث، على الرغم من أهميته، ليس محصناً ضد الأخطاء والعيوب التي قد تعيق تحقيق أهدافه، وتتحول به من منبر للنفع والفائدة إلى ساحة للجدل العقيم والخصومة. هذا المقال يسعى إلى استكشاف الأخطاء الشائعة التي تقع في البثوث المباشرة التي تتناول مواضيع التدبر، وكيفية تجنبها، مستلهماً بعض الأفكار من الفيديو المعنون بـ إحذروا هذه الأخطاء عند التدبر: آفة الحوار في اللايف.

جوهر التدبر وأهميته

قبل الخوض في الأخطاء التي قد تفسد حوارات التدبر في البثوث المباشرة، من الضروري التأكيد على جوهر التدبر وأهميته. التدبر في اللغة هو التفكر والتمعن في الشيء، أما في الاصطلاح الشرعي فهو التفكر في آيات القرآن الكريم، وفهم معانيها، واستنباط الأحكام والعبر منها، وتطبيقها في الحياة. التدبر ليس مجرد قراءة سطحية للآيات، بل هو رحلة عميقة في معانيها، تستهدف القلب والعقل معاً، بهدف الوصول إلى اليقين والإيمان الحق. وقد حث القرآن الكريم على التدبر في آياته في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24). فالآية الكريمة تستنكر على أولئك الذين لا يتدبرون القرآن، وتصف قلوبهم بأنها مقفلة، أي لا يصل إليها نور الهداية.

إن التدبر يثمر في القلب خشية الله ومحبته، ويزيد في الإيمان واليقين، ويقود إلى العمل الصالح. كما أنه يفتح آفاقاً جديدة للفهم والإدراك، ويكشف عن كنوز المعاني الكامنة في كلام الله. ولذلك، فإن مجالس التدبر، سواء كانت في المساجد أو البيوت أو عبر الإنترنت، تعتبر من أفضل المجالس وأكثرها نفعاً وفائدة.

الأخطاء الشائعة في حوارات التدبر عبر اللايف

على الرغم من الفوائد الجمة لمجالس التدبر، إلا أنها قد تشوبها بعض الأخطاء التي تقلل من قيمتها، وتحولها إلى مجرد جدال عقيم. ومن أبرز هذه الأخطاء ما يلي:

• التعصب للرأي وعدم قبول الآخر: هذا الخطأ يعتبر من أخطر الآفات التي تصيب حوارات التدبر. فالبعض يتمسك برأيه بشكل متعصب، ويرفض الاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، حتى لو كانت مدعومة بالأدلة والبراهين. هذا التعصب يؤدي إلى الجدال والمراء، ويفسد جو المحبة والتآلف، ويحول المجلس إلى ساحة للنزاع والخصومة. والتدبر الحق يقتضي الانفتاح على الآراء الأخرى، والاستماع إليها بإنصاف وتجرد، والبحث عن الحق أينما كان.
• التركيز على الخلافات الجزئية وإهمال القضايا الكلية: في كثير من الأحيان، ينشغل المتحاورون في خلافات جزئية حول تفاصيل صغيرة، وينسون القضايا الكلية والمقاصد العظمى للقرآن الكريم. هذا التركيز على التفاصيل الصغيرة قد يؤدي إلى تضييع الوقت والجهد في أمور لا طائل منها، ويصرف الانتباه عن الأمور الأهم والأكثر نفعاً.
• استخدام اللغة الجارحة والأسلوب الفظ: من الأخطاء الشائعة أيضاً استخدام اللغة الجارحة والأسلوب الفظ في الحوار. فالبعض قد يلجأ إلى السخرية والاستهزاء بالآخرين، أو استخدام الكلمات النابية والعبارات المسيئة. هذا الأسلوب ينفر الناس من المجلس، ويحول دون تحقيق أي فائدة منه. والتدبر الحق يقتضي استخدام اللغة اللينة والأسلوب المهذب، والتحدث بالحكمة والموعظة الحسنة، عملاً بقوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125).
• الخروج عن الموضوع الأصلي والانتقال إلى مواضيع أخرى: في كثير من الأحيان، يبدأ الحوار في موضوع معين، ثم ينحرف إلى مواضيع أخرى لا علاقة لها بالموضوع الأصلي. هذا الخروج عن الموضوع الأصلي يشتت الانتباه، ويضيع الوقت، ويمنع من الوصول إلى نتيجة مفيدة. والتدبر الحق يقتضي الالتزام بالموضوع الأصلي، وعدم الخروج عنه إلا لضرورة.
• الاعتماد على الآراء الشخصية والأهواء الذاتية: التدبر الصحيح يعتمد على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وعلى أقوال العلماء المعتبرين. أما الاعتماد على الآراء الشخصية والأهواء الذاتية، فهو أمر مذموم، لأنه قد يؤدي إلى تحريف معاني القرآن الكريم، وتفسيره بما يوافق الهوى والمصلحة.
• عدم الإعداد المسبق: التحضير الجيد قبل البث المباشر هو مفتاح النجاح. عدم الإعداد المسبق للمواضيع والأدلة قد يجعل الحوار سطحياً وغير مثمر. يجب على المتحدث أن يكون مطلعاً على أقوال العلماء في المسألة، وأن يكون قادراً على تقديم الأدلة والبراهين بشكل واضح ومقنع.
• الاستعراض وإظهار العلم: الهدف من التدبر هو الفهم العميق لكلام الله وتطبيقه في الحياة، وليس إظهار العلم والمعرفة. بعض المتحدثين قد ينشغلون بإظهار علمهم ومعرفتهم، مما يجعل الحوار يتحول إلى استعراض للمعلومات بدلاً من تدبر حقيقي.

كيفية تجنب هذه الأخطاء

لتجنب هذه الأخطاء، وتحويل حوارات التدبر في البثوث المباشرة إلى مجالس نافعة ومثمرة، يمكن اتباع النصائح التالية:

• التأدب بآداب الحوار الإسلامي: من أهم آداب الحوار الإسلامي التواضع، والإنصات الجيد، وعدم المقاطعة، والصدق والأمانة، والرفق واللين، والعدل والإنصاف.
• التركيز على القضايا الكلية والمقاصد العظمى للقرآن الكريم: يجب التركيز على القضايا الكلية التي تهم الأمة الإسلامية، والمقاصد العظمى للقرآن الكريم، مثل التوحيد، والإيمان، والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة.
• التحلي بالصبر والحلم: قد يثير البعض بعض الشبهات أو الاعتراضات التي تحتاج إلى صبر وحلم للإجابة عليها. يجب التحلي بالصبر والحلم، وعدم الغضب أو الانفعال.
• الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم: يمكن الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم المتخصصين في علم التفسير والحديث، لسؤالهم عن المسائل التي تحتاج إلى توضيح.
• الدعاء والتضرع إلى الله: قبل البدء في الحوار، يجب الدعاء والتضرع إلى الله أن يوفقنا للصواب، وأن يلهمنا الحق، وأن يجعلنا من المهتدين.
• تحديد أهداف واضحة للحوار: قبل البدء في البث المباشر، يجب تحديد أهداف واضحة للحوار، وما الذي نريد تحقيقه من خلاله. هذا يساعد على توجيه الحوار نحو الهدف المنشود، وتجنب الخروج عن الموضوع.
• اختيار المواضيع المناسبة: يجب اختيار المواضيع التي تهم المشاهدين، والتي تتناسب مع مستواهم الفكري والثقافي. يمكن أيضاً سؤال المشاهدين عن المواضيع التي يرغبون في مناقشتها.

خاتمة

إن حوارات التدبر في البثوث المباشرة تمثل فرصة عظيمة لنشر الخير والفائدة، وتعميق الفهم للدين الإسلامي. ولكن هذه الفرصة قد تضيع إذا لم يتم تلافي الأخطاء الشائعة التي قد تفسد هذه الحوارات. من خلال الالتزام بآداب الحوار الإسلامي، والتركيز على القضايا الكلية، والتحلي بالصبر والحلم، والاستعانة بالعلماء وطلبة العلم، والدعاء والتضرع إلى الله، يمكن تحويل هذه الحوارات إلى مجالس نافعة ومثمرة، تساهم في بناء مجتمع واعٍ ومستنير.

نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.