هل الله الملك الحق يقسم ما معنى القسم و هل العزيز فى وضع يفرض فيه القسم
تحليل فيديو هل الله الملك الحق يقسم...: بين دلالات القسم و صفة العزة الإلهية
يثير فيديو اليوتيوب المعنون بـ هل الله الملك الحق يقسم ما معنى القسم و هل العزيز فى وضع يفرض فيه القسم والذي يمكن مشاهدته على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=Iv6yFyiKkfk تساؤلات عميقة حول طبيعة القسم الإلهي في القرآن الكريم، ودلالاته، ومدى توافقه مع صفة العزة الإلهية. يتطلب الخوض في هذا الموضوع استعراضًا لآراء المفسرين، وعلماء اللغة، والمتكلمين، مع مراعاة السياق القرآني العام.
مفهوم القسم في اللغة والقرآن
القسم لغةً هو الحلف واليمين، وهو تأكيد الخبر بذكر شيء معظم عند القائل. وفي الاصطلاح الشرعي، هو تأكيد الكلام بذكر اسم الله أو صفة من صفاته. يستخدم القسم لغرضين رئيسيين: التأكيد والإقناع. يهدف القسم إلى إزالة الشك وترسيخ اليقين في نفس السامع، وإظهار أهمية الأمر الذي يُقسم عليه.
في القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي يستهلها الله تعالى بالقسم. يقول تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (الشمس: 1-2)، ووَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (العصر: 1-2)، ولَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (القيامة: 1). يثير هذا الأمر تساؤلات حول الدافع وراء القسم الإلهي، وهل يحتاج الله تعالى، وهو الغني عن العالمين، إلى القسم لتأكيد كلامه؟
دلالات القسم الإلهي: آراء المفسرين
تعددت آراء المفسرين في تفسير القسم الإلهي في القرآن الكريم. يمكن تلخيص أهم هذه الآراء فيما يلي:
- التنويه بأهمية المقسم به: يرى بعض المفسرين أن الله تعالى يقسم بمخلوقاته العظيمة للتنويه بأهميتها، وللفت الانتباه إلى دلالاتها العميقة، وما فيها من آيات تدل على قدرة الخالق وعظمته. فالقسم بالشمس والقمر، والليل والنهار، والجبال والبحار، إنما هو دعوة إلى التفكر في هذه المخلوقات، واستخلاص العبر منها.
- إظهار عظمة المقسم عليه: يرى فريق آخر أن القسم إنما هو إظهار لعظمة المقسم عليه، وبيان أهميته. فالقسم بالقيامة، أو بالقرآن، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو إبراز لقدر هذه الأمور، وإعلاء لشأنها.
- إزالة الشك وترسيخ اليقين: يذهب بعض المفسرين إلى أن القسم الإلهي يهدف إلى إزالة الشك والتردد في قلوب المخاطبين، وترسيخ اليقين بصحة الخبر الذي يُقسم عليه. فالقسم وسيلة من وسائل الإقناع، ورفع الحجة، وإقامة الدليل.
- التحدي والإعجاز: يرى بعض العلماء أن القسم بمخلوقات معينة يحمل في طياته تحديًا وإعجازًا. فالقسم بالشمس والقمر، على سبيل المثال، قد يكون إشارة إلى ما يحويه هذان النجمان من أسرار علمية لم تكن معروفة في زمن نزول القرآن، مما يدل على أن القرآن كلام الله، وليس من صنع البشر.
- البيان عن منهجية الخطاب: يذهب بعضهم إلى أن القسم هو جزء من بلاغة القرآن وأساليبه في مخاطبة الناس. فالقرآن يتنزل بلغة العرب، والعرب تستخدم القسم في كلامها للتأكيد والإقناع. فجاء القرآن على منوالهم، مع ما فيه من الفصاحة والبلاغة التي لا تضاهى.
صفة العزة الإلهية وقضية القسم
يثير الفيديو موضوعًا مهمًا يتعلق بصفة العزة الإلهية، وهل تتنافى هذه الصفة مع فعل القسم. فالعزيز هو الغالب الذي لا يغلب، القوي الذي لا يقهر، فهل يحتاج مثل هذا الإله إلى القسم ليصدقه الناس؟
يمكن الرد على هذا التساؤل من خلال عدة نقاط:
- العزة الإلهية لا تعني الاستغناء عن وسائل البيان: العزة الإلهية تعني الكمال المطلق، والقوة القاهرة، ولكنها لا تعني الاستغناء عن وسائل البيان والإيضاح التي تقتضيها حكمة الله ورحمته بعباده. فالله تعالى يريد لعباده الهداية، ويسعى إلى إقناعهم بالحق، ومن وسائل الإقناع القسم.
- القسم الإلهي ليس ضعفًا، بل هو فضل وتكريم: القسم الإلهي ليس دليلًا على ضعف أو حاجة، بل هو فضل من الله على عباده، وتكريم لهم، حيث يخاطبهم بلغتهم، ويستخدم وسائل الإقناع التي يفهمونها.
- القسم الإلهي ليس لرفع الشك عن الله، بل لرفع الشك عن المخاطبين: الله تعالى منزه عن الشك والريب، فالقسم ليس لرفع الشك عن ذاته، بل لرفع الشك عن قلوب المخاطبين، وتثبيت اليقين في نفوسهم.
- القسم الإلهي يظهر رحمته تعالى بخلقه: إن إقدام الله تعالى على القسم يؤكد رحمته بعباده، وحرصه على هدايتهم، فهو لم يتركهم في حيرة وشك، بل بين لهم الحق بأوضح الطرق وأبلغها.
الخلاصة
إن القسم الإلهي في القرآن الكريم ليس مجرد وسيلة للتأكيد والإقناع، بل هو أسلوب بلاغي رفيع، ودليل على حكمة الله ورحمته بعباده. وهو لا يتنافى مع صفة العزة الإلهية، بل هو مظهر من مظاهر الفضل والجود الإلهي. يجب فهم القسم الإلهي في سياق النص القرآني، ومع مراعاة آراء المفسرين، وعلماء اللغة، والمتكلمين، للوصول إلى فهم أعمق وأشمل لمعانيه ودلالاته.
الفيديو المذكور يفتح بابًا للنقاش حول موضوع مهم وحساس، ويحفز على البحث والتأمل في آيات القرآن الكريم، وهو ما يساهم في تعزيز الإيمان، وتعميق الفهم لكلام الله عز وجل.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة