نيويورك تايمز أمريكا بدأت سحب المئات من قواتها في شمال شرق سوريا

تحليل لخبر انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا: نظرة على خلفيات وتداعيات قرار محتمل

انتشر في الآونة الأخيرة فيديو على موقع يوتيوب بعنوان نيويورك تايمز: أمريكا بدأت سحب المئات من قواتها في شمال شرق سوريا (رابط الفيديو). يثير هذا الفيديو، وما يتناوله من أخبار، تساؤلات حيوية حول مستقبل المنطقة، وتأثيراته المحتملة على مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتركيا، والنظام السوري، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يهدف هذا المقال إلى تحليل هذا الخبر، وتوضيح خلفياته وأبعاده، وتقديم نظرة متعمقة حول التداعيات المحتملة لهذا الانسحاب.

خلفية الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا

بدأ الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا في عام 2014، كجزء من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لعبت القوات الأمريكية دورًا حاسمًا في دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف يضم فصائل كردية وعربية، في طرد داعش من مناطق واسعة في شمال شرق سوريا. قدمت الولايات المتحدة لقسد الدعم العسكري والتدريب والاستخبارات، مما ساهم في تحقيق انتصارات كبيرة على التنظيم الإرهابي.

إلا أن هذا الوجود الأمريكي، والدعم المقدم لقسد، أثار حفيظة تركيا، التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، المكون الرئيسي لقسد، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كمنظمة إرهابية لديها. لطالما طالبت تركيا الولايات المتحدة بوقف دعمها لقسد، وهددت بشن عمليات عسكرية ضدها في شمال سوريا.

على الرغم من أن الولايات المتحدة أكدت مرارًا وتكرارًا أن هدفها الوحيد في سوريا هو هزيمة داعش، إلا أن الوجود الأمريكي الفعلي كان له أبعاد استراتيجية أوسع. فقد ساهم في منع النظام السوري وحلفائه، وخاصة إيران، من السيطرة الكاملة على شمال شرق سوريا، وساعد في الحفاظ على الاستقرار النسبي في المنطقة.

دوافع الانسحاب المحتمل

لا تزال الدوافع الحقيقية وراء قرار الولايات المتحدة المحتمل بسحب قواتها من شمال شرق سوريا غير واضحة تمامًا، لكن يمكن تحديد عدة عوامل محتملة:

• تراجع خطر داعش: على الرغم من أن داعش لا يزال يشكل تهديدًا، إلا أن قدراته قد تراجعت بشكل كبير منذ هزيمته في الباغوز في عام 2019. قد ترى الإدارة الأمريكية أن وجودها العسكري المكثف في سوريا لم يعد ضروريًا بنفس القدر.
• الضغوط التركية: كما ذكرنا سابقًا، مارست تركيا ضغوطًا كبيرة على الولايات المتحدة لوقف دعمها لقسد. قد يكون الانسحاب المحتمل جزءًا من محاولة لتخفيف التوترات مع تركيا، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
• تغيير الأولويات الأمريكية: قد تكون الإدارة الأمريكية الحالية بصدد تغيير أولوياتها في الشرق الأوسط، والتركيز على قضايا أخرى مثل احتواء النفوذ الإيراني، أو التعامل مع التحديات التي تفرضها الصين وروسيا.
• الرغبة في تجنب المزيد من التورط في الصراعات الإقليمية: لطالما انتقد بعض السياسيين الأمريكيين التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، ودعوا إلى سياسة خارجية أكثر انعزالية. قد يكون الانسحاب المحتمل من سوريا جزءًا من هذه الرؤية.
• تكلفة الوجود العسكري: قد يكون الوجود العسكري الأمريكي في سوريا مكلفًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. قد ترى الإدارة الأمريكية أن هذه الموارد يمكن توجيهها إلى استخدامات أخرى أكثر أهمية.

التداعيات المحتملة للانسحاب

يحمل الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من شمال شرق سوريا تداعيات خطيرة ومحتملة، يمكن أن تؤثر على مستقبل المنطقة بأكملها:

• هجوم تركي محتمل: قد يشجع الانسحاب الأمريكي تركيا على شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قسد في شمال سوريا. قد تسعى تركيا إلى إنشاء منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا، وإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية إلى مناطق أبعد.
• صعود داعش: قد يوفر الانسحاب الأمريكي فرصة لتنظيم داعش لإعادة تنظيم صفوفه، واستعادة بعض المناطق التي فقدها في السابق. قد يستغل التنظيم الفراغ الأمني الناتج عن الانسحاب، لشن هجمات جديدة، وتجنيد عناصر جديدة.
• هجوم النظام السوري: قد يشجع الانسحاب الأمريكي النظام السوري وحلفائه على محاولة استعادة السيطرة على شمال شرق سوريا بالقوة. قد يؤدي ذلك إلى مواجهات عسكرية بين قوات النظام وقسد، وإلى موجة جديدة من اللاجئين.
• أزمة إنسانية: قد يؤدي تصاعد العنف في شمال شرق سوريا إلى أزمة إنسانية كبيرة، مع نزوح مئات الآلاف من المدنيين، وتدهور الأوضاع المعيشية.
• تقويض الثقة في الولايات المتحدة: قد ينظر إلى الانسحاب الأمريكي على أنه خيانة لحلفاء الولايات المتحدة في قسد، ويقوض الثقة في الولايات المتحدة كشريك موثوق به في المنطقة.
• تأثير على استقرار المنطقة: قد يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وتأجيج الصراعات الإقليمية.

مستقبل شمال شرق سوريا

يبدو مستقبل شمال شرق سوريا غير مؤكد في ظل الانسحاب الأمريكي المحتمل. يعتمد مصير المنطقة على عدة عوامل، بما في ذلك:

• رد فعل قسد: كيف ستتعامل قسد مع الانسحاب الأمريكي المحتمل؟ هل ستختار المواجهة العسكرية مع تركيا أو النظام السوري، أم ستسعى إلى التفاوض على حل سياسي؟
• موقف تركيا: هل ستشن تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قسد، أم ستكتفي بعمليات محدودة؟
• موقف النظام السوري: هل سيسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة على شمال شرق سوريا بالقوة، أم سيتفاوض مع قسد على شكل من أشكال الحكم الذاتي؟
• دور روسيا: ما هو الدور الذي ستلعبه روسيا في مستقبل شمال شرق سوريا؟ هل ستدعم النظام السوري في محاولته استعادة السيطرة على المنطقة، أم ستسعى إلى التوسط بين الأطراف المتنازعة؟
• موقف المجتمع الدولي: هل سيتدخل المجتمع الدولي لمنع تصاعد العنف في شمال شرق سوريا، وحماية المدنيين؟

في الختام، يمثل الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من شمال شرق سوريا لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة. يحمل هذا القرار تداعيات خطيرة ومحتملة، يمكن أن تؤثر على مستقبل المنطقة بأكملها. من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات عاجلة لمنع تصاعد العنف، وحماية المدنيين، والعمل على إيجاد حل سياسي مستدام للأزمة السورية.