مع تصاعد حدة المطالبة بصفقة فورية مع حماس وإسقاط الحكومة هل يهتز عرش نتنياهو
مع تصاعد حدة المطالبة بصفقة فورية مع حماس وإسقاط الحكومة هل يهتز عرش نتنياهو؟
يشهد الكيان الإسرائيلي، في ظل الحرب الدائرة في غزة، تصاعدًا غير مسبوق في الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة بنيامين نتنياهو. هذه الضغوط تتخذ أشكالًا متعددة، بدءًا من المطالبات الملحة بإبرام صفقة تبادل أسرى فورية مع حركة حماس، وصولًا إلى الدعوات الصريحة لإسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة قادرة على التعامل مع الأزمة الراهنة بكفاءة وفعالية أكبر. السؤال المطروح بقوة الآن هو: هل هذه الضغوط المتزايدة كافية لتهديد استقرار حكومة نتنياهو وإزاحته من السلطة؟
رابط الفيديو المرجعي: https://www.youtube.com/watch?v=7SnMZncXEv4
أزمة الأسرى كوقود للاحتجاجات
تمثل قضية الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة نقطة ارتكاز رئيسية في الضغوط الممارسة على حكومة نتنياهو. عائلات الأسرى، وبدعم من قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، تضغط بشكل متزايد على الحكومة لإعطاء الأولوية القصوى لإبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات مؤلمة. هذه العائلات، التي تعيش في حالة من القلق والترقب المستمر، ترى أن الوقت ينفد وأن حياة أبنائها في خطر دائم. لذا، تنظم بشكل دوري مظاهرات واعتصامات أمام مقر رئاسة الوزراء والكنيست، وتوجه انتقادات لاذعة لنتنياهو وحكومته، متهمة إياهم بالمماطلة والتسويف وعدم الاكتراث بمعاناة الأسرى وعائلاتهم.
بالإضافة إلى عائلات الأسرى، ينضم إلى هذه الاحتجاجات العديد من الإسرائيليين الذين يرون أن نتنياهو يضع مصالحه السياسية الشخصية فوق مصلحة الوطن والأسرى. هؤلاء المنتقدون يتهمون نتنياهو بالسعي لإطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية، وتجنب المحاسبة على الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية التي أدت إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر. كما يتهمونه بالتعنت في المفاوضات مع حماس، وتقديم شروط غير واقعية تعيق التوصل إلى اتفاق.
الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية
تعتبر الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية التي سمحت لحماس بتنفيذ هجوم السابع من أكتوبر ضربة قاصمة لثقة الإسرائيليين بحكومتهم وقادتهم. هذه الإخفاقات، التي كشفت عن ثغرات كبيرة في منظومة الأمن الإسرائيلية، أثارت تساؤلات جدية حول كفاءة القيادة السياسية والعسكرية، وقدرتها على حماية أمن المواطنين. العديد من الإسرائيليين يشعرون بالخذلان والغضب، ويعتقدون أن نتنياهو يتحمل المسؤولية الأكبر عن هذه الإخفاقات، كونه رئيسًا للحكومة وقائدًا للبلاد.
هذه الإخفاقات لم تقتصر على الجانب الأمني والاستخباراتي فحسب، بل امتدت إلى الجانب السياسي والإداري. فالكثير من الإسرائيليين يرون أن حكومة نتنياهو فشلت في إدارة الأزمة بشكل فعال، وتوفير الدعم اللازم للمتضررين من الحرب، سواء كانوا من سكان المناطق الحدودية مع غزة، أو من الأسر التي فقدت أحباءها في الهجوم. كما يتهمونها بالتلكؤ في إعادة إعمار المناطق المتضررة، وتقديم التعويضات المناسبة للمتضررين.
الخلافات داخل الائتلاف الحاكم
لا يقتصر الضغط على حكومة نتنياهو على الشارع الإسرائيلي، بل يمتد أيضًا إلى داخل الائتلاف الحاكم نفسه. ففي الآونة الأخيرة، بدأت تظهر خلافات حادة بين الأحزاب المكونة للائتلاف، خاصة فيما يتعلق بإدارة الحرب في غزة، ومستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب. بعض الأحزاب، مثل حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس، تدعو إلى تبني نهج أكثر واقعية ومرونة في المفاوضات مع حماس، وإعطاء الأولوية لإعادة الأسرى، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات مؤلمة. بينما تتبنى أحزاب أخرى، مثل حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش، مواقف أكثر تشددًا، وترفض أي تنازلات لحماس، وتدعو إلى استمرار الحرب حتى تحقيق النصر الكامل.
هذه الخلافات المتزايدة داخل الائتلاف الحاكم تهدد بتفككه وانهياره، مما قد يؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة. وإذا حدث ذلك، فإن نتنياهو سيواجه صعوبات كبيرة في الفوز بولاية جديدة، خاصة في ظل تراجع شعبيته وتزايد الانتقادات الموجهة إليه.
الضغوط الدولية المتزايدة
بالإضافة إلى الضغوط الداخلية، تواجه حكومة نتنياهو ضغوطًا دولية متزايدة، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يدعوان إلى وقف إطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. هذه الضغوط تزداد حدة مع استمرار الحرب وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة. الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، أبدت في الآونة الأخيرة انتقادات صريحة لسياسات حكومة نتنياهو، وخاصة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في رفح، والتي تهدد بوقوع كارثة إنسانية. كما أعربت عن قلقها إزاء القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ودعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع.
هذه الضغوط الدولية تضع نتنياهو في موقف صعب، حيث يجد نفسه مضطرًا إلى الموازنة بين متطلبات الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، ومتطلبات الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم، وتلبية مطالب الرأي العام الإسرائيلي. هذه الموازنة ليست سهلة، وقد تتطلب تقديم تنازلات مؤلمة قد تؤدي إلى تفاقم الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، أو إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.
هل يهتز عرش نتنياهو؟
في ظل هذه الضغوط المتزايدة، يبدو أن عرش نتنياهو يهتز بالفعل. فشعبيته تراجعت بشكل كبير، وائتلافه الحاكم مهدد بالانهيار، والضغوط الدولية عليه تزداد حدة. ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه الجزم بأن نتنياهو سيُزاح من السلطة قريبًا. فهو لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في السياسة الإسرائيلية، ولديه قدرة فائقة على البقاء والمناورة. كما أن البدائل المطروحة ليست واضحة ومقنعة، ولا يوجد إجماع حول من يمكن أن يحل محله.
لكن المؤكد أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. فالضغوط المتراكمة ستؤدي في النهاية إلى تغييرات كبيرة في المشهد السياسي الإسرائيلي. السؤال هو متى وكيف ستحدث هذه التغييرات، ومن سيكون المستفيد الأكبر منها. هل ستؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة؟ أم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية؟ أم إلى ظهور قيادة جديدة قادرة على التعامل مع التحديات الراهنة بكفاءة وفعالية أكبر؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستتضح في الأشهر القادمة، وستحدد مستقبل إسرائيل والمنطقة بأسرها.
مقالات مرتبطة