أوروبا تتجه إلي التدمير الذاتي بعد صعود اليمين المتطرف و سقوط رؤساء أوروبا و فرنسا تحل البرلمان

أوروبا تتجه إلي التدمير الذاتي؟ نظرة على صعود اليمين المتطرف وتداعياته

يشهد المشهد السياسي الأوروبي تحولات جذرية ومقلقة في الآونة الأخيرة، تتمثل في صعود تيارات اليمين المتطرف، وتزايد نفوذها في مختلف الدول، وتراجع الأحزاب التقليدية، وصولاً إلى قرارات مصيرية مثل حل البرلمان في فرنسا، كما ورد في الفيديو المنشور على اليوتيوب بعنوان أوروبا تتجه إلي التدمير الذاتي بعد صعود اليمين المتطرف و سقوط رؤساء أوروبا و فرنسا تحل البرلمان. هذه التطورات تدق ناقوس الخطر حول مستقبل القارة العجوز، وتثير تساؤلات عميقة حول قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والحفاظ على قيمها الديمقراطية والليبرالية.

صعود اليمين المتطرف: الأسباب والدوافع

لم يأت صعود اليمين المتطرف في أوروبا من فراغ، بل هو نتاج تراكم عوامل متعددة، تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. من أبرز هذه العوامل:

• الأزمة الاقتصادية: تسببت الأزمات الاقتصادية المتتالية، بدءاً من الأزمة المالية العالمية عام 2008، مروراً بأزمة الديون السيادية الأوروبية، وصولاً إلى تداعيات جائحة كوفيد-19، في تفاقم البطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتزايد الفوارق الاجتماعية. وقد استغل اليمين المتطرف هذه الأوضاع لتأجيج مشاعر الغضب والإحباط لدى الناخبين، وتقديم حلول شعبوية بسيطة لمشاكل معقدة.
• قضايا الهجرة واللاجئين: مثلت موجات الهجرة واللجوء المتتالية إلى أوروبا، خاصة بعد أحداث الربيع العربي وأزمة اللاجئين السوريين، تحدياً كبيراً للدول الأوروبية، وأثارت مخاوف وقلقاً لدى قطاعات واسعة من السكان. استغل اليمين المتطرف هذه المخاوف لتصوير المهاجرين واللاجئين كتهديد للهوية الوطنية، والأمن القومي، والوظائف، والموارد العامة، والدعوة إلى سياسات هجرة أكثر صرامة، بل وإلى طرد المهاجرين غير الشرعيين.
• فقدان الثقة في المؤسسات السياسية: تعاني الأحزاب السياسية التقليدية في أوروبا من تراجع شعبيتها، وفقدان ثقة الناخبين بها، بسبب الفساد، وعدم الكفاءة، وعدم القدرة على الاستجابة لمطالب وتطلعات المواطنين. وقد استغل اليمين المتطرف هذه الأزمة لتصوير نفسه كبديل موثوق به، يمثل صوت الشعب، ويدافع عن مصالحه، ويقف في وجه النخب الحاكمة الفاسدة.
• العولمة والهوية الوطنية: يرى الكثير من الأوروبيين أن العولمة تهدد هويتهم الوطنية، وثقافتهم المحلية، وتقاليدهم الأصيلة. وقد استغل اليمين المتطرف هذه المخاوف للدعوة إلى حماية الهوية الوطنية، وتعزيز السيادة الوطنية، ومقاومة العولمة، والتمسك بالقيم التقليدية.
• خطاب الكراهية والتضليل: يلجأ اليمين المتطرف إلى استخدام خطاب الكراهية والتضليل، ونشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، لتشويه صورة الخصوم السياسيين، وتأجيج المشاعر السلبية تجاه المهاجرين والأقليات، وتعبئة الجماهير.

تداعيات صعود اليمين المتطرف على أوروبا

يترتب على صعود اليمين المتطرف في أوروبا تداعيات خطيرة على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. من أبرز هذه التداعيات:

• تقويض الديمقراطية وسيادة القانون: يسعى اليمين المتطرف إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، من خلال التضييق على المعارضة، والتحكم في وسائل الإعلام، وتقويض استقلالية القضاء، والحد من حرية التعبير، والتضييق على منظمات المجتمع المدني.
• تأجيج العنصرية وكراهية الأجانب: يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تأجيج مشاعر العنصرية وكراهية الأجانب، والتمييز ضد المهاجرين والأقليات، والعنف ضدهم، وزيادة التوتر والانقسام في المجتمع.
• تقويض الوحدة الأوروبية: يسعى اليمين المتطرف إلى تقويض الوحدة الأوروبية، من خلال الدعوة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو الحد من صلاحياته، أو عرقلة سياساته، أو فرض قيود على حرية الحركة والتجارة بين الدول الأعضاء.
• تدهور العلاقات الدولية: يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تدهور العلاقات الدولية، من خلال تبني مواقف عدائية تجاه الدول الأخرى، والدعوة إلى الحمائية التجارية، والانسحاب من الاتفاقيات الدولية، وتقويض التعاون الدولي.
• تراجع النمو الاقتصادي: يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تراجع النمو الاقتصادي، من خلال تبني سياسات حمائية، وفرض قيود على الهجرة والتجارة، وزيادة حالة عدم اليقين، وتثبيط الاستثمار.

فرنسا وحل البرلمان: قراءة في المشهد السياسي

يعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما ذكر في الفيديو، مؤشراً واضحاً على حجم التحديات التي تواجهها فرنسا، والمأزق السياسي الذي تعيشه. جاء هذا القرار بعد النتائج المخيبة للآمال التي حققها حزب ماكرون في الانتخابات الأوروبية، وصعود حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان. يهدف ماكرون من خلال هذا القرار إلى استعادة زمام المبادرة، وإعادة ترتيب المشهد السياسي، ومواجهة خطر اليمين المتطرف. إلا أن هذا القرار يحمل في طياته مخاطر كبيرة، حيث قد يؤدي إلى فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في البرلمان، وتشكيل حكومة يمينية متطرفة، وهو ما قد يمثل تحولاً تاريخياً في فرنسا، وتأثيراً كبيراً على مستقبل أوروبا.

ما العمل؟ سبل مواجهة صعود اليمين المتطرف

مواجهة صعود اليمين المتطرف في أوروبا تتطلب جهوداً مشتركة ومتكاملة من جميع الأطراف، الحكومات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام والمواطنين. من أبرز هذه الجهود:

• معالجة الأسباب الجذرية: يجب معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى صعود اليمين المتطرف، من خلال مكافحة البطالة، وتحسين الأوضاع المعيشية، وتقليل الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الثقة في المؤسسات السياسية، ومكافحة الفساد، والاستجابة لمطالب وتطلعات المواطنين.
• مواجهة خطاب الكراهية والتضليل: يجب مواجهة خطاب الكراهية والتضليل، ونشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، من خلال تعزيز التوعية، وتنمية التفكير النقدي، وتفعيل القوانين التي تجرم خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
• تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون: يجب تعزيز المؤسسات الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، من خلال حماية استقلالية القضاء، وضمان حرية التعبير، ودعم منظمات المجتمع المدني.
• تعزيز الوحدة الأوروبية: يجب تعزيز الوحدة الأوروبية، من خلال الدفاع عن القيم الأوروبية المشتركة، وتعزيز التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء، ومعالجة المشاكل والتحديات المشتركة بشكل جماعي.
• تشجيع المشاركة السياسية: يجب تشجيع المشاركة السياسية، وحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، والتعبير عن آرائهم، والتواصل مع ممثليهم السياسيين، والانخراط في العمل السياسي والاجتماعي.

ختاماً، يمثل صعود اليمين المتطرف في أوروبا تحدياً خطيراً للديمقراطية والاستقرار والوحدة الأوروبية. مواجهة هذا التحدي تتطلب جهوداً جادة ومستمرة من جميع الأطراف، من أجل الحفاظ على قيم أوروبا الديمقراطية والليبرالية، وضمان مستقبل أفضل للقارة العجوز.