نظرة في مقولة علومك ومعرفتك أكبر من السابقين
نظرة في مقولة علومك ومعرفتك أكبر من السابقين
يثير فيديو اليوتيوب بعنوان علومك ومعرفتك أكبر من السابقين ونعم نحن أعلم من السابقين الا الرسل وهذه سنة الله من كتاب الله نقاشاً مهماً حول العلاقة بين المعرفة الإنسانية عبر العصور، ومفهوم التقدم العلمي والتكنولوجي، وتفسير النصوص الدينية في ضوء هذا التقدم.
يدّعي الفيديو أننا، في العصر الحالي، نمتلك من العلوم والمعرفة ما يفوق أسلافنا، باستثناء الرسل والأنبياء. ويستند في هذا الادعاء إلى تفسير لآيات من القرآن الكريم، معتبراً أن هذا التفوق هو سنة إلهية. هذا الطرح يفتح الباب أمام عدة تساؤلات:
أولاً: تعريف المعرفة والعلوم: هل المعرفة محصورة في العلوم التجريبية والتكنولوجيا الحديثة؟ أم أنها تشمل أيضاً الحكمة، والفلسفة، والأخلاق، وفنون العيش التي ربما تفوق فيها السابقون؟ من الضروري تحديد نطاق المعرفة التي نتحدث عنها قبل إطلاق الأحكام المطلقة.
ثانياً: نسبية التقدم: بينما نشهد تقدماً هائلاً في مجالات معينة مثل الطب والهندسة، هل يعني ذلك بالضرورة أننا أعلم في كل شيء؟ ربما فقدنا في طريق هذا التقدم بعض القيم والمهارات التي كانت متأصلة في حياة الأجيال السابقة، كالتواصل الاجتماعي المباشر، والاعتماد على النفس، والارتباط بالطبيعة.
ثالثاً: خطورة التعميم: من الخطأ تعميم فكرة التفوق المعرفي على جميع الأفراد. ففي كل عصر، هناك علماء ومفكرون قلة يساهمون في التقدم العلمي، بينما الغالبية العظمى تستفيد من هذا التقدم. وبالتالي، لا يمكن القول بأن كل فرد في العصر الحالي هو أعلم من كل فرد في العصور السابقة.
رابعاً: التفسير الديني: يجب التعامل بحذر شديد مع أي تفسير للنصوص الدينية يهدف إلى إثبات التفوق الحضاري أو العلمي لعصر معين. فالنصوص الدينية تحمل معاني أعمق وأشمل من مجرد تأكيد على التقدم المادي. وينبغي أن تكون الغاية من التفسير فهم مراد الله، وليس تبرير الأوضاع الراهنة.
خامساً: التكامل المعرفي: بدلاً من التركيز على فكرة التفوق المطلق، من الأجدى أن نسعى إلى التكامل المعرفي بين الماضي والحاضر. فالاستفادة من حكمة السابقين وتجاربهم، بالإضافة إلى الاستمرار في البحث العلمي والتكنولوجي، هو السبيل الأمثل لتحقيق التقدم الحقيقي والمستدام.
في الختام، يثير فيديو اليوتيوب موضوعاً شيقاً، ولكن يجب التعامل معه بنقد وتحليل، مع الأخذ في الاعتبار تعقيد العلاقة بين المعرفة الإنسانية عبر العصور، والتأثيرات الاجتماعية والثقافية على هذه المعرفة.
