ما بين التلويح الإيراني بالتدخل عسكريا ومسار أستانا إلى أين يتجه المشهد في سوريا
ما بين التلويح الإيراني بالتدخل عسكريا ومسار أستانا: إلى أين يتجه المشهد في سوريا؟
الحرب في سوريا، التي دخلت عامها الثالث عشر، لا تزال تمثل لغزًا معقدًا متشابك الأبعاد، داخليًا وإقليميًا ودوليًا. ورغم تراجع حدة الاشتباكات المباشرة بين الأطراف المتحاربة، إلا أن عوامل عدم الاستقرار لا تزال قائمة، بل تزداد تعقيدًا مع ظهور تحديات جديدة، مثل تزايد نفوذ الجهات غير الحكومية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وتأثير التغيرات الإقليمية والدولية على مسار الحل السياسي.
الفيديو المعنون ما بين التلويح الإيراني بالتدخل عسكريا ومسار أستانا: إلى أين يتجه المشهد في سوريا؟ يطرح تساؤلات حيوية حول مستقبل الأزمة السورية في ظل هذه المعطيات المتغيرة، ويركز بشكل خاص على محورين رئيسيين: الأول، التهديدات الإيرانية بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، وأسبابها ودلالاتها المحتملة، والثاني، مسار أستانا ودوره في إدارة الصراع السوري، وإمكانية استمراره كآلية فعالة لتحقيق الاستقرار.
التهديدات الإيرانية بالتدخل العسكري: رسائل ودوافع
لطالما كان لإيران دور محوري في دعم نظام بشار الأسد، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. وقد تجلى هذا الدعم في إرسال مستشارين عسكريين، وتقديم الدعم المالي، وتعبئة الميليشيات الشيعية المقاتلة. إلا أن التلويح بالتدخل العسكري المباشر، كما يظهر في بعض التصريحات الرسمية وغير الرسمية الإيرانية، يمثل تصعيدًا ملحوظًا في اللهجة، ويستدعي التساؤل عن الدوافع الكامنة وراء هذا التهديد.
يمكن تفسير هذا التهديد على عدة مستويات: أولاً، قد يكون رسالة ردع موجهة إلى إسرائيل، التي كثفت ضرباتها الجوية على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا. تهدف إيران من خلال هذا التهديد إلى إيصال رسالة مفادها أن أي تصعيد إسرائيلي سيؤدي إلى رد فعل إيراني، وقد يتجاوز نطاق العمليات السرية إلى تدخل عسكري مباشر. ثانياً، قد يكون التهديد الإيراني يهدف إلى الضغط على تركيا، التي تشن عمليات عسكرية متقطعة في شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة. ترى إيران أن هذه العمليات تهدد مصالحها في سوريا، وتسعى إلى منع تركيا من توسيع نفوذها في المنطقة. ثالثاً، قد يكون التهديد الإيراني يهدف إلى تعزيز موقف النظام السوري، وإظهار الدعم الإيراني القوي له في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. رابعاً، قد يعكس التهديد الإيراني قلقًا متزايدًا بشأن الوضع الأمني في سوريا، وتحديدًا في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، حيث تزايدت الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة مجهولة، وتصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية ضد تدهور الأوضاع المعيشية.
إلا أن التدخل العسكري الإيراني المباشر في سوريا يحمل مخاطر جمة، فقد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع النطاق، وإلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، وهو ما لا ترغب فيه إيران على الأرجح. لذلك، من المرجح أن يبقى التهديد الإيراني في إطار الحرب الكلامية، بهدف تحقيق أهداف سياسية وعسكرية محدودة، دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة.
مسار أستانا: من إدارة الصراع إلى البحث عن حل سياسي
مسار أستانا، الذي انطلق في عام 2017 بمبادرة من روسيا وتركيا وإيران، لعب دورًا مهمًا في خفض التصعيد في سوريا، وفي إرساء مناطق آمنة، وفي تبادل الأسرى والمحتجزين. إلا أن هذا المسار لم يتمكن من تحقيق اختراق حقيقي في مسار الحل السياسي، ولا يزال يواجه تحديات كبيرة.
أحد أهم التحديات التي تواجه مسار أستانا هو التباين الكبير في مواقف الدول الضامنة، خاصة بين تركيا وإيران. تركيا تسعى إلى منع قيام كيان كردي مستقل في شمال سوريا، وتدعم فصائل المعارضة المسلحة، بينما تدعم إيران نظام بشار الأسد، وتعارض أي تغيير في الوضع الراهن. هذا التباين في المواقف يعيق جهود التوصل إلى توافق حول مستقبل سوريا، وحول شكل النظام السياسي الجديد.
تحد آخر يواجه مسار أستانا هو عدم مشاركة الأطراف السورية الفاعلة بشكل كامل في المفاوضات. فالمعارضة السورية ممثلة بفصائل مسلحة محدودة، والنظام السوري يرفض تقديم تنازلات حقيقية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مستبعدة من المفاوضات. هذا النقص في التمثيل يعيق جهود التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل يرضي جميع الأطراف.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه مسار أستانا تحديات خارجية، مثل عدم انخراط الولايات المتحدة بشكل فعال في الجهود الدبلوماسية، واستمرار العقوبات الاقتصادية على سوريا، وتأثير التغيرات الإقليمية والدولية على مسار الأزمة السورية.
رغم هذه التحديات، لا يزال مسار أستانا يمثل الآلية الوحيدة المتاحة حاليًا لإدارة الصراع في سوريا، وللحفاظ على قنوات الاتصال بين الأطراف المتنازعة. لذلك، من الضروري استمرار هذا المسار، وتطويره ليشمل جميع الأطراف السورية الفاعلة، والعمل على تحقيق اختراق حقيقي في مسار الحل السياسي.
إلى أين يتجه المشهد في سوريا؟
في ظل المعطيات الحالية، يبدو أن الأزمة السورية ستستمر لفترة طويلة، مع بقاء عوامل عدم الاستقرار قائمة. من غير المرجح أن يتمكن أي طرف من تحقيق نصر حاسم في الحرب، ولا يبدو أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف المتنازعة للتوصل إلى حل سياسي شامل وعادل.
من المرجح أن يستمر الوضع الراهن، مع سيطرة النظام السوري على معظم الأراضي، واستمرار وجود فصائل المعارضة المسلحة في مناطق محدودة، واستمرار العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، واستمرار الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله. كما من المرجح أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وأن تزداد معاناة الشعب السوري.
إلا أن هذا الوضع ليس ثابتًا، وقد يشهد تغييرات مفاجئة نتيجة لتطورات إقليمية ودولية غير متوقعة. على سبيل المثال، قد يؤدي تغيير الإدارة في الولايات المتحدة إلى تغيير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وقد يؤدي تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، وقد يؤدي تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى انهيار النظام السوري.
في ظل هذه الظروف، من الضروري على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري، وأن يعمل على تحقيق حل سياسي شامل وعادل للأزمة، يضمن وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، ويحمي حقوق جميع السوريين، ويساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ختامًا، المشهد السوري لا يزال معقدًا وضبابيًا، ولا يمكن التنبؤ بمساره المستقبلي بدقة. إلا أن التهديدات الإيرانية بالتدخل العسكري المباشر، واستمرار مسار أستانا، يمثلان عاملين رئيسيين سيحددان مستقبل الأزمة السورية، وسيشكلان ملامح المنطقة في السنوات القادمة.
مقالات مرتبطة