لليوم الخامس على التوالي مظاهرات في جورجيا رفضًا للانضمام للاتحاد الأوروبي
مظاهرات جورجيا: رفض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ قراءة في الأسباب والدوافع
يشهد الشارع الجورجي منذ أيام حراكًا شعبيًا متصاعدًا، تجسد في مظاهرات حاشدة تعمّ المدن، رافضةً التوجهات الحكومية التي يُنظر إليها على أنها تقوض مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. الفيديو المنشور على يوتيوب تحت عنوان لليوم الخامس على التوالي مظاهرات في جورجيا رفضًا للانضمام للاتحاد الأوروبي (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=xuPfMoJ_Veg) يلقي الضوء على حجم هذه الاحتجاجات ومدى تصميم المشاركين فيها على تحقيق مطالبهم. لكن، هل تعكس هذه المظاهرات رفضًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فعلًا؟ أم أن المسألة أكثر تعقيدًا وتشابكًا؟
في الواقع، يبدو أن عنوان الفيديو قد يجانبه بعض الدقة. فالمظاهرات، في جوهرها، لا ترفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل على العكس، تطالب بتسريع وتيرة الاندماج مع أوروبا وتندد بما تعتبره عرقلةً حكوميةً لهذا المسار. السبب الرئيسي وراء هذه الاحتجاجات يكمن في مشروع قانون مثير للجدل، يُعرف بـ قانون النفوذ الأجنبي، والذي يطالب المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج بالتسجيل كـ عملاء نفوذ أجنبي.
يرى المنتقدون لهذا القانون، بمن فيهم المتظاهرون، أنه نسخة طبق الأصل من قانون روسي مماثل، يُستخدم لقمع المعارضة وتقويض حرية التعبير. وهم يعتقدون أن هذا القانون يهدف إلى تضييق الخناق على المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، وبالتالي تقويض الديمقراطية الجورجية وتقويض فرص انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. فالقانون، بحسب رأيهم، يتعارض مع القيم والمبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي، والتي تشدد على حرية التعبير وسيادة القانون واستقلال المؤسسات.
المفارقة هنا تكمن في أن الحكومة الجورجية، التي تدعم هذا القانون، تدعي أيضًا أنها تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن منتقديها يتهمونها بالنفاق والازدواجية، ويرون أن القانون ما هو إلا تكتيك لإرضاء روسيا، التي لطالما عارضت توسع النفوذ الغربي في منطقة نفوذها التقليدية. ثمة اعتقاد راسخ لدى العديد من الجورجيين بأن القانون يمثل خطوة نحو الابتعاد عن أوروبا والاقتراب من الفلك الروسي.
من الضروري فهم السياق الجيوسياسي الذي تجري فيه هذه الأحداث. تقع جورجيا في منطقة حساسة، فهي تقع على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا، ولها تاريخ معقد من العلاقات مع روسيا. فقد خاضت جورجيا حربًا قصيرة مع روسيا في عام 2008، ولا تزال روسيا تحتل أجزاء من الأراضي الجورجية. هذه الخلفية التاريخية والجغرافية تجعل الجورجيين حذرين للغاية من أي محاولة لتقويض استقلالهم وسيادتهم، سواء من الداخل أو الخارج.
الرغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قوية جدًا في جورجيا. فمعظم الجورجيين يرون في الاتحاد الأوروبي نموذجًا للرخاء والديمقراطية وسيادة القانون. وهم يعتقدون أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيعزز استقرار بلادهم وأمنها واقتصادها. وقد أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن أغلبية كبيرة من الجورجيين تؤيد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إذن، لماذا تصر الحكومة الجورجية على المضي قدمًا في هذا القانون المثير للجدل، على الرغم من المعارضة الشعبية الواسعة والتحذيرات من الاتحاد الأوروبي؟ هناك عدة تفسيرات محتملة. قد تكون الحكومة تسعى إلى إرضاء روسيا، أو قد تكون تحاول تضييق الخناق على المعارضة قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، أو قد تكون تعتقد ببساطة أن القانون ضروري لحماية المصالح الوطنية. بغض النظر عن الدوافع، فإن القانون قد أثار أزمة سياسية عميقة في جورجيا، ويهدد بتقويض علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
المظاهرات المستمرة في جورجيا تعكس إصرار الشعب الجورجي على الحفاظ على مساره نحو الاندماج مع أوروبا. إنهم يرون في القانون تهديدًا لمستقبلهم الديمقراطي ومستقبل بلادهم كجزء من أوروبا. هذه المظاهرات هي أيضًا رسالة قوية إلى الحكومة الجورجية، مفادها أن الشعب لن يقبل أي تنازلات بشأن القيم والمبادئ الأساسية للديمقراطية وسيادة القانون.
يبقى السؤال: هل ستستجيب الحكومة الجورجية لمطالب المتظاهرين وتتراجع عن القانون المثير للجدل؟ أم أنها ستواصل المضي قدمًا، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات السياسية وتقويض فرص انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل جورجيا لسنوات قادمة.
من المهم الإشارة إلى أن تغطية الأحداث الجارية في جورجيا تتطلب الحيادية والموضوعية. فالمعلومات المتوفرة قد تكون متحيزة أو غير كاملة. لذلك، من الضروري الاعتماد على مصادر موثوقة ومتعددة للحصول على صورة كاملة ودقيقة للأحداث.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن ندرك أن الوضع في جورجيا معقد ومتغير. فالعلاقات بين جورجيا وروسيا والاتحاد الأوروبي متشابكة ومتأثرة بالعديد من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية. لذلك، من المهم تجنب التبسيط والاختزال عند تحليل هذه الأحداث.
في الختام، يمكن القول إن المظاهرات في جورجيا ليست مجرد احتجاجات على قانون معين، بل هي تعبير عن رغبة شعبية عميقة في الانضمام إلى أوروبا والحفاظ على الديمقراطية والحرية. هذه المظاهرات تمثل لحظة حاسمة في تاريخ جورجيا، وستحدد مسار البلاد في السنوات القادمة.
مقالات مرتبطة