الميثاق الملي ما حقيقة أطماع تركيا في سوريا وما دور إيران
الميثاق الملي: ما حقيقة أطماع تركيا في سوريا وما دور إيران؟
يثير ملف الأزمة السورية، بتعقيداته المتشابكة، تساؤلات عديدة حول مستقبل المنطقة، ودور القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في صياغة هذا المستقبل. ومن بين هذه القوى، تبرز تركيا وإيران كلاعبين رئيسيين، لكل منهما مصالحه وأهدافه الاستراتيجية التي يسعى لتحقيقها في سوريا. الفيديو المنشور على يوتيوب بعنوان الميثاق الملي: ما حقيقة أطماع تركيا في سوريا وما دور إيران؟ يمثل محاولة لفهم هذه المصالح والأهداف، وتقديم تحليل معمق للخلفيات التاريخية والسياسية التي تشكل دوافع هذه القوى.
الميثاق الملي: الخلفية التاريخية والدلالات المعاصرة
يشير مصطلح الميثاق الملي إلى مجموعة من القرارات التي اتخذها البرلمان العثماني الأخير في عام 1920، والتي حددت الحدود الدنيا للأراضي التي اعتبرت جزءًا من الوطن التركي، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية. هذه القرارات، وإن كانت تاريخية، إلا أنها لا تزال تثير جدلاً واسعًا في تركيا وخارجها، حيث يعتبرها البعض بمثابة برنامج قومي تركي يطمح إلى استعادة نفوذ تركيا في المناطق التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، بينما يراها آخرون مجرد إطار تاريخي لا يعكس بالضرورة السياسات التركية الحالية.
في سياق الأزمة السورية، يثير الحديث عن الميثاق الملي مخاوف من وجود أطماع تركية في الأراضي السورية، خاصة في المناطق الشمالية التي شهدت عمليات عسكرية تركية واسعة النطاق. هذه العمليات، والتي تهدف ظاهريًا إلى مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي التركي، يراها البعض محاولة لفرض نفوذ تركي دائم في المنطقة، وربما ضم أجزاء منها إلى تركيا في نهاية المطاف. هذه المخاوف تزداد حدة في ظل تصريحات بعض المسؤولين الأتراك التي تشير إلى أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ولكنها في الوقت نفسه تؤكد على ضرورة حماية مصالح تركيا وأمنها القومي في هذه المنطقة.
الأطماع التركية في سوريا: بين الأمن القومي والنفوذ الإقليمي
تحتكم السياسة التركية تجاه سوريا إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الأمن القومي والاقتصاد والنفوذ الإقليمي. فمن ناحية الأمن القومي، ترى تركيا في وجود تنظيمات كردية مسلحة على حدودها الجنوبية تهديدًا وجوديًا لها، وتسعى جاهدة لمنع قيام كيان كردي مستقل في هذه المنطقة. هذا الأمر يفسر العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، والتي تهدف إلى إضعاف هذه التنظيمات وإبعادها عن الحدود التركية.
أما من الناحية الاقتصادية، فتعتبر سوريا منطقة عبور مهمة للتجارة التركية، كما أنها تمثل سوقًا واعدة للمنتجات التركية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة في سوريا، وخاصة النفط والغاز. هذه المصالح الاقتصادية تدفع تركيا إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا، وضمان استقرار الأوضاع الأمنية فيها.
أما فيما يتعلق بالنفوذ الإقليمي، فتطمح تركيا إلى لعب دور قيادي في المنطقة، وأن تكون لها الكلمة الفصل في القضايا الإقليمية. سوريا، بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية، تعتبر ساحة مهمة لتحقيق هذا الطموح. تسعى تركيا إلى بناء تحالفات إقليمية قوية، وإلى تعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، وذلك من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية في سوريا.
دور إيران في سوريا: حماية المصالح ودعم النظام
تعتبر إيران من أبرز الداعمين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقد قدمت له دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا منذ بداية الأزمة السورية. يرجع هذا الدعم إلى مجموعة من العوامل، أبرزها المصالح الاستراتيجية والأيديولوجية.
من الناحية الاستراتيجية، تعتبر سوريا حليفًا استراتيجيًا لإيران، وتمثل نقطة وصل مهمة بين إيران وحزب الله في لبنان. خسارة سوريا كانت ستؤدي إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وعزل إيران عن حلفائها. لذلك، سعت إيران جاهدة للحفاظ على نظام الأسد، ومنع سقوطه.
أما من الناحية الأيديولوجية، فترى إيران في نظام الأسد حليفًا لها في مواجهة القوى المعادية لها في المنطقة، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة. إيران تعتبر نفسها حامية للمقاومة الإسلامية في المنطقة، وتعتبر نظام الأسد جزءًا من هذه المقاومة. لذلك، قدمت إيران دعمًا كبيرًا للنظام السوري، من أجل الحفاظ عليه كحليف لها في مواجهة أعدائها.
يتجلى الدور الإيراني في سوريا في تقديم الدعم العسكري للنظام السوري، وإرسال مقاتلين من مختلف الجنسيات للقتال إلى جانب قوات النظام. بالإضافة إلى ذلك، تقدم إيران دعمًا اقتصاديًا كبيرًا للنظام السوري، من خلال تزويده بالنفط والمواد الغذائية، وتقديم القروض والمساعدات المالية.
التنافس التركي الإيراني في سوريا: صراع المصالح والنفوذ
على الرغم من وجود بعض المصالح المشتركة بين تركيا وإيران في سوريا، إلا أن هناك أيضًا تنافسًا شديدًا بينهما على النفوذ في هذا البلد. هذا التنافس يتجلى في دعم كل منهما لأطراف مختلفة في الصراع السوري، وفي محاولة كل منهما لفرض رؤيته للحل السياسي في سوريا.
تدعم تركيا المعارضة السورية المسلحة، وتسعى إلى إقامة نظام حكم جديد في سوريا يكون حليفًا لها. في المقابل، تدعم إيران نظام الأسد، وتسعى إلى الحفاظ عليه في السلطة. هذا التنافس بين تركيا وإيران يزيد من تعقيد الأزمة السورية، ويجعل التوصل إلى حل سياسي للأزمة أمرًا صعبًا.
يتجلى هذا التنافس أيضًا في مواقف البلدين من القضايا الإقليمية الأخرى، مثل القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني. تركيا وإيران لديهما رؤى مختلفة لهذه القضايا، وهذا الاختلاف يزيد من حدة التوتر بينهما.
مستقبل سوريا في ظل التدخلات الخارجية
يبقى مستقبل سوريا مجهولًا في ظل التدخلات الخارجية المتعددة، والتنافس الشديد بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في هذا البلد. من غير المرجح أن يتم التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية في المستقبل القريب، وذلك بسبب تعارض المصالح بين الأطراف المتصارعة، وعدم وجود إرادة حقيقية لدى هذه الأطراف للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.
في ظل هذه الظروف، من المرجح أن يستمر الوضع الراهن في سوريا، مع استمرار الصراع المسلح، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وتزايد التدخلات الخارجية. الحل الوحيد للأزمة السورية هو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تضمن حقوق جميع السوريين، وتحافظ على وحدة الأراضي السورية، وتنهي التدخلات الخارجية في هذا البلد. ولكن تحقيق هذا الحل يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف المعنية، وهذا ما يبدو غائبًا في الوقت الحالي.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة