كلمة و كلام و كلمات فى الكتاب الحكيم الفرق بين كلمة و كلمت

كلمة و كلام و كلمات فى الكتاب الحكيم: تحليل لغوي وبلاغي

يشكل القرآن الكريم معجزة لغوية وبلاغية، تتجلى في دقة ألفاظه وجمال تعابيره وعمق معانيه. من بين الجوانب التي تستحق الدراسة والتحليل، نجد استعماله الدقيق للمفردات، وكيف يختار اللفظ الأنسب للتعبير عن المراد، وكيف تختلف دلالة الكلمة باختلاف سياقها. يركز هذا المقال على تحليل دقيق لثلاث كلمات أساسية وردت في القرآن الكريم، وهي كلمة وكلام وكلمات، وذلك بناءً على التحليل المقدم في فيديو اليوتيوب بعنوان كلمة و كلام و كلمات فى الكتاب الحكيم الفرق بين كلمة و كلمت الموجود على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=7lBO2NMBcG0. سنحاول استخلاص الفروق الدقيقة بين هذه الكلمات، والكشف عن الأسرار البلاغية الكامنة وراء هذا الاختيار اللغوي الدقيق.

الكلمة: الوحدة الأساسية للغة والدلالة

تعتبر الكلمة الوحدة الأساسية للغة، فهي اللبنة التي تبنى عليها الجمل والعبارات. في القرآن الكريم، تأتي الكلمة بمعان متعددة، لكنها تشترك في كونها تعبر عن معنى محدد ومقصود. قد تدل الكلمة على الوعد أو العهد، كما في قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (البقرة: 40). هنا، العهد هو الكلمة التي التزم بها الطرفان. وقد تدل الكلمة على الأمر أو الحكم الإلهي، كما في قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} (الأنعام: 115). هنا، كلمة الرب هي حكمه وأمره الذي لا راد له. كما قد تدل الكلمة على النبي عيسى عليه السلام، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (النساء: 171). هنا، كلمته تعني أنه خُلق بكلمة كن من الله.

الجدير بالذكر أن كلمة كلمة قد تستخدم بصيغة المفرد أو الجمع، ولكل صيغة دلالتها الخاصة. ففي صيغة المفرد، تدل على معنى محدد وثابت، بينما في صيغة الجمع (كلمات)، تدل على تعدد المعاني والتجليات، كما سنرى لاحقًا.

الكلام: التعبير عن الفكر والمعنى

بينما تمثل الكلمة الوحدة الأساسية، فإن الكلام هو التعبير عن الفكر والمعنى من خلال تجميع الكلمات في جمل وعبارات. الكلام أوسع دلالة من الكلمة، فهو يشمل الحديث والقول والخطاب. في القرآن الكريم، يستخدم الكلام للتعبير عن التواصل بين البشر، وكذلك عن التواصل بين الله وملائكته ورسله. يقول تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء: 164). هنا، التكليم هو الكلام المباشر من الله إلى موسى عليه السلام. ويقول تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} (المائدة: 110). هنا، قال الله هو الكلام الذي وجهه الله إلى عيسى عليه السلام.

يتميز الكلام بأنه وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، ولنقل المعلومات وتبادلها. وهو أيضًا وسيلة للتأثير والإقناع، ولإقامة الحجة والدليل. ولذلك، يحث القرآن الكريم على اختيار الكلام الحسن، وتجنب الكلام السيئ، يقول تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} (الإسراء: 53). فالكلام الحسن يزرع المحبة والوئام، بينما الكلام السيئ يثير الفتنة والخصام.

الكلمات: التجليات المتعددة للمعنى

تأتي الكلمات بصيغة الجمع لتشير إلى التجليات المتعددة للمعنى، وإلى التفاصيل والجزئيات التي تتكون منها الحقيقة. في القرآن الكريم، يستخدم الكلمات للتعبير عن عظمة الله وقدرته، وعن اتساع علمه وحكمته، يقول تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (الكهف: 109). هنا، كلمات ربي تعني كل ما خلقه الله وعلمه وحكم به، وهي لا تنفد ولا تحصى.

كما تستخدم الكلمات للتعبير عن الكتب السماوية والرسالات الإلهية، يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (الرعد: 37). هنا، العلم يشير إلى القرآن الكريم وكلماته التي أنزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

إن استخدام الكلمات بصيغة الجمع يوحي بالشمولية والإحاطة، وبالقدرة على التعبير عن المعاني الدقيقة والمتنوعة. وهو ما يعكس عظمة القرآن الكريم وإعجازه.

الخلاصة: دقة الاختيار وجمال التعبير

يتضح مما سبق أن القرآن الكريم يستخدم كلمة وكلام وكلمات بدقة متناهية، وأن لكل كلمة دلالتها الخاصة وموقعها المتميز. الكلمة هي الوحدة الأساسية للمعنى، والكلام هو التعبير عن الفكر والمعنى، والكلمات هي التجليات المتعددة للمعنى. إن هذا الاختيار الدقيق للألفاظ يعكس عظمة القرآن الكريم وإعجازه، ويدل على أن كل كلمة فيه قد وضعت في موضعها المناسب، وأن كل حرف فيه يحمل معنى مقصودًا.

إن فهم هذه الفروق الدقيقة بين الكلمات يساعدنا على فهم القرآن الكريم بشكل أفضل، وعلى استخلاص المعاني العميقة الكامنة فيه. كما أنه يلهمنا لتقدير جمال اللغة العربية وبلاغتها، ويدفعنا إلى استخدامها بشكل صحيح ومتقن.

بالرجوع إلى فيديو اليوتيوب المشار إليه، نجد أن التحليل المقدم يتوافق مع ما تم ذكره في هذا المقال، ويقدم أمثلة وشواهد إضافية تؤكد هذه الفروق الدقيقة بين كلمة وكلام وكلمات.

ختامًا، ندعو القارئ إلى التأمل في هذه الكلمات الثلاث، وإلى استكشاف المزيد من أسرار القرآن الكريم وبلاغته، ليزداد إيمانه ويقينه، وليتعمق فهمه لكلام الله عز وجل.