ردى على د على جمعة عن حديثه عن د شحرور رحمة الله عليه @DrAliGomaa

ردى على د. علي جمعة عن حديثه عن د. شحرور رحمة الله عليه

انتشر في الآونة الأخيرة مقطع فيديو للدكتور علي جمعة، المفتي السابق للديار المصرية، يتحدث فيه عن الدكتور محمد شحرور، المفكر السوري الراحل، رحمه الله. وقد أثار هذا المقطع جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية والدينية، نظراً لما تضمنه من آراء حول فكر الدكتور شحرور ومنهجه في فهم القرآن الكريم. هذا المقال هو محاولة للرد على بعض النقاط التي طرحها الدكتور جمعة في الفيديو، مع تقديم وجهة نظر مختلفة حول فكر الدكتور شحرور وأهميته.

رابط الفيديو المشار إليه: https://www.youtube.com/watch?v=IjAVbrez6I4

تقديم: من هو الدكتور محمد شحرور؟

قبل الخوض في تفاصيل الرد، من الضروري تقديم تعريف موجز بالدكتور محمد شحرور. هو مفكر سوري بارز، اشتهر بتقديمه قراءة معاصرة للقرآن الكريم، تعتمد على منهجية لغوية جديدة، تهدف إلى فهم النص القرآني في سياقه التاريخي واللغوي، وربطه بالواقع المعاصر. ألف الدكتور شحرور عدة كتب أثارت جدلاً واسعاً، من أبرزها الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة و الدولة والمجتمع والإنسان.

نقد منهجي للدكتور جمعة:

يعتمد الدكتور جمعة في نقده للدكتور شحرور على عدة محاور، يمكن تلخيصها في: اتهام الدكتور شحرور بالخروج عن الثوابت، وإنكار السنة النبوية، وتقديم تفسيرات خاطئة للقرآن الكريم، ومخالفة إجماع الأمة. سنحاول في هذا المقال تفنيد هذه الاتهامات، مع التأكيد على أن فكر الدكتور شحرور، على الرغم من اختلاف البعض معه، يمثل محاولة جادة لفهم النص القرآني، وتقديم حلول لمشاكل العصر.

أولاً: اتهام الخروج عن الثوابت:

كثيراً ما يتهم الدكتور شحرور بالخروج عن الثوابت الدينية، وهو اتهام خطير، يحتاج إلى دليل قاطع. الثوابت الدينية هي الأمور التي ثبتت بالدليل القطعي من القرآن والسنة، ولا يجوز الاجتهاد فيها. الدكتور شحرور لم ينكر أصول الدين، ولا أركان الإسلام، ولكنه اجتهد في فهم بعض النصوص القرآنية التي تحتمل التأويل، وقدم قراءات مختلفة، وهذا حق مشروع لكل باحث ومفكر. الاختلاف في الفهم والتأويل لا يعني الخروج عن الثوابت، بل هو جزء طبيعي من العملية الفكرية.

ثانياً: اتهام إنكار السنة النبوية:

ينسب إلى الدكتور شحرور إنكار السنة النبوية، وهذا غير صحيح. الدكتور شحرور لم ينكر السنة النبوية بشكل مطلق، ولكنه دعا إلى التمييز بين السنة المتواترة والسنة الآحاد، وإلى ضرورة إخضاع الأحاديث النبوية للنقد والتمحيص، للتأكد من صحتها وثبوتها. هذا الموقف لا يعني إنكار السنة، بل هو دعوة إلى التعامل معها بحذر وعقلانية، خاصة في الأمور التي تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية. الدكتور شحرور يؤكد على أهمية السنة النبوية في فهم القرآن الكريم، وتطبيق أحكامه، ولكنه يرى أن السنة ليست مصدراً مستقلاً للتشريع، بل هي مكملة وموضحة للقرآن الكريم.

ثالثاً: اتهام تقديم تفسيرات خاطئة للقرآن الكريم:

يتهم الدكتور جمعة الدكتور شحرور بتقديم تفسيرات خاطئة للقرآن الكريم، ومخالفة تفسير السلف. هذا الاتهام يحتاج إلى تفصيل وتوضيح. الدكتور شحرور اعتمد في تفسيره للقرآن الكريم على منهجية لغوية جديدة، تعتمد على تحليل بنية الكلمة القرآنية، وتحديد دلالاتها المختلفة، في سياق النص القرآني. هذا المنهج قد يؤدي إلى تقديم تفسيرات مختلفة عن التفسيرات التقليدية، ولكنه لا يعني بالضرورة أنها خاطئة. التفسير هو فهم للنص، والفهم يختلف من شخص لآخر، ومن عصر لآخر. الدكتور شحرور لم يدع أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ولكنه قدم قراءة معاصرة للقرآن الكريم، تحاول أن تجيب على تساؤلات العصر، وتقدم حلولاً لمشاكله.

رابعاً: اتهام مخالفة إجماع الأمة:

يتهم الدكتور جمعة الدكتور شحرور بمخالفة إجماع الأمة، وهذا الاتهام يحتاج إلى تدقيق. الإجماع هو اتفاق جميع علماء الأمة على حكم شرعي، وهذا الإجماع يجب أن يكون قطعياً، ولا يجوز مخالفته. الدكتور شحرور لم يخالف الإجماع القطعي للأمة، ولكنه خالف بعض الآراء الفقهية التي لا تعتبر إجماعاً قطعياً. الاختلاف في الفروع الفقهية لا يعتبر مخالفة للإجماع، بل هو أمر طبيعي في الفقه الإسلامي. الدكتور شحرور اجتهد في بعض المسائل الفقهية، وقدم آراء مختلفة، وهذا حقه كمجتهد.

أهمية فكر الدكتور شحرور:

على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى فكر الدكتور شحرور، إلا أنه لا يمكن إنكار أهمية هذا الفكر، ودوره في إثراء الفكر الإسلامي المعاصر. فكر الدكتور شحرور يتميز بعدة أمور:

• الجرأة في الطرح: الدكتور شحرور لم يخش من طرح أفكاره الجديدة، والمخالفة للرأي السائد، وهذا يدل على شجاعته الفكرية، ورغبته في التجديد والإصلاح.
• المنهجية العلمية: الدكتور شحرور اعتمد في أفكاره على منهجية علمية، تعتمد على التحليل اللغوي والتاريخي للنص القرآني، وهذا يجعله فكراً قابلاً للنقاش والتحليل.
• الربط بالواقع المعاصر: الدكتور شحرور حاول أن يربط بين النص القرآني والواقع المعاصر، وأن يقدم حلولاً لمشاكل العصر، وهذا يجعله فكراً حيوياً ومؤثراً.
• إثارة النقاش والحوار: فكر الدكتور شحرور أثار نقاشاً وحواراً واسعاً في الأوساط الفكرية والدينية، وهذا ساهم في تنشيط الفكر الإسلامي، وتجديد الخطاب الديني.

خاتمة:

في الختام، يمكن القول أن فكر الدكتور محمد شحرور يمثل محاولة جادة لفهم النص القرآني، وتقديم قراءة معاصرة له، قراءة تتجاوز التفسيرات التقليدية، وتحاول أن تجيب على تساؤلات العصر. هذا الفكر قد يختلف معه البعض، ولكنه لا يمكن إنكار أهميته ودوره في إثراء الفكر الإسلامي المعاصر. يجب أن نتعامل مع فكر الدكتور شحرور بعقلانية وموضوعية، وأن ننظر إليه كاجتهاد بشري، يحتمل الخطأ والصواب. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، بل هو سنة الحياة، وضرورة للتطور والتقدم. رحم الله الدكتور محمد شحرور، وغفر له، وجزاه عن جهوده خير الجزاء.