الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لمن تأمر من وتنهى من إعرف رأيي فى هذا الأمر هل يضرك من ضل

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تحليل نقدي

يثير مقطع الفيديو المعنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن تأمر من وتنهى من إعرف رأيي فى هذا الأمر هل يضرك من ضل المنشور على يوتيوب (https://www.youtube.com/watch?v=u3EBPpuew5E) تساؤلات جوهرية حول مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أحد أهم المفاهيم في الشريعة الإسلامية. يتناول الفيديو، كما يوحي العنوان، أسئلة محورية حول نطاق هذا الواجب، ومن المخاطب به، وكيفية ممارسته، والأهم من ذلك، تبعاته وآثاره على الفرد والمجتمع. في هذا المقال، سأقوم بتحليل نقدي لهذه القضايا، مستندًا إلى فهمي الشخصي للموضوع، ومحاولًا تقديم رؤية متوازنة تأخذ في الاعتبار مختلف الآراء والاعتبارات.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تعريف وتأصيل

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مصطلح إسلامي يعني دعوة الناس إلى فعل الخير وتجنب الشر. يعتبر هذا الواجب من أهم أركان الدين الإسلامي، ويستند إلى نصوص قرآنية صريحة وأحاديث نبوية شريفة. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

من هذه النصوص، يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم، ولكن هذا الواجب ليس مطلقًا، بل يخضع لشروط وضوابط محددة. فالشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وبالتالي يجب أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، لا العكس.

لمن الأمر والنهي؟

أحد أهم الأسئلة التي يطرحها الفيديو هو: لمن نوجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل هو واجب على الجميع تجاه الجميع؟ أم أن هناك قيودًا وحدودًا؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب تفصيلًا.

من حيث الأصل، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم تجاه غيره، بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو سلطته. ومع ذلك، يجب أن يتم هذا الواجب بحكمة وموعظة حسنة، مع مراعاة الظروف والأحوال. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد إطلاق أحكام أو توجيه انتقادات، بل هو دعوة إلى الخير بأسلوب لطيف ومؤثر.

هناك أيضًا اعتبارات خاصة تتعلق بالسلطة والنفوذ. فالأشخاص الذين يتمتعون بسلطة أو نفوذ أكبر يتحملون مسؤولية أكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالأب مسؤول عن تربية أبنائه وتوجيههم، والمعلم مسؤول عن تعليم طلابه وتأديبهم، والحاكم مسؤول عن تطبيق الشريعة وحماية المجتمع. ولكن حتى هؤلاء يجب عليهم أن يمارسوا سلطتهم بحكمة وعدل، وأن يتجنبوا الظلم والتعسف.

كيفية الأمر والنهي: شروط وضوابط

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد واجب، بل هو فن. يجب أن يتم هذا الواجب بأسلوب صحيح ومؤثر، وإلا فقد يؤدي إلى نتائج عكسية. من أهم شروط وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

• العلم: يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على علم بالمعروف الذي يأمر به والمنكر الذي ينهى عنه. فالجاهل قد يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف.
• الحكمة: يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر حكيمًا في أسلوبه وكلامه. يجب أن يختار الأوقات المناسبة والكلمات اللطيفة، وأن يتجنب الغلظة والفظاظة.
• اللين والرفق: يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لينًا رفيقًا، وأن يتجنب العنف والقسوة. فالقسوة قد تنفر الناس من الدين، بينما اللين والرفق يجذبانهم إليه.
• الصبر: يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر صبورًا، وأن يتحمل الأذى الذي قد يلحق به من جراء قيامه بواجبه. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يثير غضب البعض، ولكن يجب على المسلم أن يتحمل ذلك بصبر وثبات.
• الإخلاص: يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مخلصًا في نيته، وأن يبتغي بذلك وجه الله تعالى. فالرياء والسمعة يبطلان العمل.
• عدم الضرر: يجب أن لا يؤدي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى ضرر أكبر من المنفعة المرجوة. فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدي إلى فتنة أو قتال، فالأفضل تركه.

هل يضرني من ضل؟

السؤال الأخير الذي يطرحه الفيديو هو: هل يضرني من ضل؟ هذا سؤال مهم يتعلق بالمسؤولية الفردية والجماعية. من حيث الأصل، فإن كل شخص مسؤول عن نفسه. يقول الله تعالى في سورة المدثر: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

ومع ذلك، فإن للمجتمع أيضًا دورًا في توجيه الأفراد ومساعدتهم على الالتزام بالدين. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وسيلة لتحقيق هذا الهدف. فإذا رأى المسلم أخاه يرتكب معصية، فعليه أن ينصحه ويذكره بالله، وأن يحاول أن يمنعه من فعلها. وإذا لم يستطع، فعليه أن يدعو له بالهداية.

ولكن هل يعني ذلك أن المسلم مسؤول عن أفعال الآخرين؟ الإجابة هي لا، إلا إذا كان للمسلم سلطة أو نفوذ عليهم. فالأب مسؤول عن أفعال أبنائه، والحاكم مسؤول عن أفعال رعيته. أما إذا لم يكن للمسلم سلطة أو نفوذ على الآخرين، فإنه غير مسؤول عن أفعالهم، ولكنه مسؤول عن نصحهم وتوجيههم.

بمعنى آخر، لا يضرني ضلال الآخرين بشكل مباشر، بمعنى أنني لا أتحمل وزرهم أو عقوبتهم. ولكن ضلال الآخرين قد يؤثر عليّ بشكل غير مباشر، من خلال انتشار الفساد والانحلال في المجتمع، مما قد يؤدي إلى تدهور الأخلاق والقيم، وزيادة الجرائم والمفاسد. لذلك، يجب على المسلم أن يسعى جاهدًا لنشر الخير والفضيلة في المجتمع، وأن يحارب الشر والرذيلة، وأن يدعو الله تعالى أن يهدي الناس جميعًا.

خلاصة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب عظيم ومسؤولية كبيرة. يجب أن يتم هذا الواجب بحكمة وعلم وصبر، وأن يكون الهدف منه تحقيق المصالح ودرء المفاسد. يجب أن نتذكر دائمًا أن الإسلام دين يسر لا دين عسر، وأن الدعوة إلى الله يجب أن تكون باللين والرفق، لا بالغلظة والعنف. ضلال الآخرين لا يضرنا بشكل مباشر، ولكن يجب علينا أن نسعى جاهدين لهدايتهم وإصلاحهم، وأن نساهم في بناء مجتمع فاضل يسوده الخير والسلام.