وزير الخارجية الإيراني لا يمكن تفعيل الاتفاق النووي كما كان ومستمرون بدعم محور المقاومة
تحليل لتصريحات وزير الخارجية الإيراني حول الاتفاق النووي ودعم محور المقاومة
يشكل التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني، والذي ورد في الفيديو المنشور على اليوتيوب تحت عنوان وزير الخارجية الإيراني لا يمكن تفعيل الاتفاق النووي كما كان ومستمرون بدعم محور المقاومة (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=0C0ySO7MEB0)، نقطة محورية في فهم التوجهات الإيرانية الراهنة تجاه كل من الملف النووي وعلاقاتها الإقليمية. يتضمن هذا التصريح عنصرين أساسيين يحتاجان إلى تفكيك وتحليل معمق لفهم أبعادهما وتداعياتهما المحتملة على المنطقة والعالم.
أولاً: استحالة تفعيل الاتفاق النووي كما كان
يشير تصريح وزير الخارجية الإيراني بشأن استحالة تفعيل الاتفاق النووي كما كان إلى تغير جذري في الموقف الإيراني تجاه هذا الملف الحساس. لفهم هذا التحول، يجب العودة إلى السياق التاريخي للاتفاق النووي، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي تم التوصل إليه في عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا).
كان الاتفاق النووي يهدف إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. بموجب الاتفاق، وافقت إيران على تقليل مخزونها من اليورانيوم المخصب، وتفكيك بعض أجهزة الطرد المركزي، والسماح بعمليات تفتيش دولية مكثفة لمنشآتها النووية. في المقابل، تم رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
إلا أن هذا الاتفاق لم يستمر طويلًا. في عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس آنذاك دونالد ترامب، من الاتفاق بشكل أحادي، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران تحت سياسة الضغط الأقصى. ردت إيران على ذلك بتقليص تدريجي لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، مثل زيادة تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.
بالنظر إلى هذه الخلفية، يمكن فهم تصريح وزير الخارجية الإيراني على أنه اعتراف ضمني بتأثير الانسحاب الأمريكي والعقوبات اللاحقة على مسار الاتفاق النووي. فالإجراءات الإيرانية المضادة، التي اتخذت ردًا على العقوبات، أدت إلى تغييرات ملموسة في البرنامج النووي الإيراني تجعل العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل عام 2018 أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلاً، من الناحية الفنية والسياسية.
علاوة على ذلك، قد يعكس هذا التصريح أيضًا موقفًا سياسيًا متشددًا من قبل إيران، حيث قد يكون الهدف منه هو الضغط على الأطراف الأخرى في الاتفاق، وخاصة الولايات المتحدة، لتقديم تنازلات إضافية مقابل العودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق. قد تشمل هذه التنازلات رفع جميع العقوبات الاقتصادية، وتقديم ضمانات بعدم الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق في المستقبل.
من زاوية أخرى، قد يشير هذا التصريح إلى أن إيران تسعى إلى التفاوض على اتفاق نووي جديد ومحسن، يأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في برنامجها النووي، ويتضمن ضمانات أقوى لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية.
ثانياً: الاستمرار في دعم محور المقاومة
يمثل التأكيد على الاستمرار في دعم محور المقاومة جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية الإيرانية، ويعكس التزامًا راسخًا بتعزيز نفوذها الإقليمي. مصطلح محور المقاومة يشير إلى شبكة من الحلفاء والوكلاء غير الحكوميين الذين تدعمهم إيران في المنطقة، بمن فيهم حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والحوثيون في اليمن، وفصائل مسلحة في العراق وسوريا.
تعتبر إيران دعم محور المقاومة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الأمنية الإقليمية. من خلال دعم هذه الجماعات، تسعى إيران إلى تحقيق عدة أهداف، منها:
- ردع خصومها الإقليميين، وخاصة إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
- حماية مصالحها في المنطقة، مثل الوصول إلى الممرات المائية الاستراتيجية.
- مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة.
- ترسيخ موقعها كقوة إقليمية مؤثرة.
يعتبر دعم محور المقاومة قضية خلافية، حيث تتهم إيران بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال تسليح وتمويل وتدريب هذه الجماعات. في المقابل، ترفض إيران هذه الاتهامات، وتؤكد أن دعمها لهذه الجماعات يهدف إلى مساعدة الشعوب في مقاومة الاحتلال والعدوان، وحماية مصالحها المشروعة.
يشير تصريح وزير الخارجية الإيراني إلى أن إيران لن تتراجع عن دعمها لـ محور المقاومة، بغض النظر عن التحديات التي تواجهها، سواء كانت اقتصادية أو سياسية. هذا التأكيد قد يعكس قناعة لدى القيادة الإيرانية بأن الحفاظ على النفوذ الإقليمي هو أمر ضروري لأمنها واستقرارها، وأن التخلي عن دعم محور المقاومة قد يؤدي إلى تدهور وضعها الإقليمي.
قد يكون هذا التصريح أيضًا رسالة إلى الأطراف الأخرى في المنطقة، مفادها أن إيران لن تتنازل عن مصالحها الإقليمية في أي مفاوضات أو تسويات مستقبلية. بمعنى آخر، قد تكون إيران مستعدة لتقديم تنازلات في الملف النووي، ولكنها لن تتخلى عن دعمها لـ محور المقاومة.
التداعيات المحتملة
لتصريحات وزير الخارجية الإيراني تداعيات محتملة على عدة مستويات:
- على مستوى الملف النووي: قد يؤدي الإصرار الإيراني على استحالة تفعيل الاتفاق النووي كما كان إلى تعقيد المفاوضات مع الأطراف الأخرى، ويقلل من فرص التوصل إلى اتفاق جديد. قد يدفع ذلك إيران إلى مواصلة تطوير برنامجها النووي، مما يزيد من التوترات الإقليمية والدولية.
- على مستوى العلاقات الإقليمية: قد يؤدي الاستمرار في دعم محور المقاومة إلى تفاقم الصراعات في المنطقة، وزيادة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. قد يدفع ذلك دول المنطقة إلى اتخاذ إجراءات مضادة، مما يزيد من خطر التصعيد.
- على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة: قد يؤدي عدم وجود تقدم في الملف النووي واستمرار الدعم الإيراني لـ محور المقاومة إلى استمرار التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.
الخلاصة
تصريحات وزير الخارجية الإيراني تعكس موقفًا إيرانيًا متشددًا تجاه كل من الملف النووي وعلاقاتها الإقليمية. يبدو أن إيران مصممة على الحفاظ على نفوذها الإقليمي، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتها مع الغرب. في الوقت نفسه، يبدو أن إيران غير مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي بالشروط التي كانت قائمة قبل عام 2018، وتسعى إلى التفاوض على اتفاق جديد ومحسن.
من المرجح أن تستمر هذه السياسة في إثارة التوترات في المنطقة والعالم، وتزيد من صعوبة التوصل إلى حلول سلمية للأزمات الإقليمية. يتطلب التعامل مع هذا الوضع فهمًا دقيقًا للمصالح الإيرانية، والعمل على إيجاد حلول وسط تضمن الأمن والاستقرار للجميع.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة