المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يطلب استصدار أمر اعتقال عاجل بحق نتنياهو وغالانت
تحليل لطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت
يمثل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، باستصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، تطوراً بالغ الأهمية في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد أثار هذا الطلب، الذي تم الإعلان عنه في مايو 2024، عاصفة من ردود الفعل المتضاربة على المستويين المحلي والدولي، ما بين ترحيب مندد بالاحتلال وممارساته، ورفض قاطع من إسرائيل وحلفائها، وتساؤلات حول مدى فعالية المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على محاسبة قادة الدول.
خلفية القضية وتوقيتها
يأتي هذا الطلب في ظل تصاعد وتيرة العنف في قطاع غزة، خاصةً بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، وما تبعها من رد فعل إسرائيلي واسع النطاق. وقد أدى القصف الإسرائيلي المكثف والحصار المفروض على القطاع إلى أزمة إنسانية كارثية، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية على نطاق واسع. وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، بالإضافة إلى وكالات الأمم المتحدة، انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك استهداف المدنيين والأعيان المدنية، واستخدام القوة المفرطة، وفرض عقوبات جماعية.
يعتبر توقيت طلب المدعي العام مهماً للغاية، حيث يأتي في ظل ضغوط دولية متزايدة على إسرائيل لوقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما يأتي في ظل تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 2014. وبالتالي، فإن هذا الطلب يمثل تصعيداً كبيراً في جهود المحكمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
التهم الموجهة إلى نتنياهو وغالانت
حدد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مجموعة من التهم الموجهة إلى نتنياهو وغالانت، تتعلق بسلوكهم خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وتشمل:
- تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب: يرى المدعي العام أن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية بشكل كاف، يرقى إلى جريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وهي جريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
- القتل العمد: يشير المدعي العام إلى أن القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، والذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، قد يرقى إلى جريمة القتل العمد، خاصةً إذا كان هناك دليل على أن الهجمات لم تكن متناسبة أو لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين.
- الإبادة و/أو القتل و/أو المعاملة اللاإنسانية كجريمة ضد الإنسانية: يعتبر المدعي العام أن حجم الخسائر في الأرواح بين المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها في غزة، قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، وتحديداً الإبادة أو القتل أو المعاملة اللاإنسانية.
- الإبادة و/أو القتل و/أو المعاملة اللاإنسانية كجريمة حرب: بنفس المنطق السابق، يعتبر المدعي العام أن هذه الأفعال قد تشكل أيضاً جرائم حرب، نظراً لارتكابها في سياق نزاع مسلح.
- استهداف المدنيين والأعيان المدنية: يشير المدعي العام إلى وجود أدلة على أن القوات الإسرائيلية استهدفت بشكل مباشر المدنيين والأعيان المدنية، مثل المستشفيات والمدارس، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب.
- الإبادة: يعتبر المدعي العام أن تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، بالإضافة إلى الأفعال التي ارتكبت في غزة، قد تشير إلى وجود نية لإبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يعد أخطر الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي.
ردود الفعل على الطلب
أثار طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ردود فعل متباينة على نطاق واسع:
- إسرائيل: رفضت إسرائيل بشدة طلب المدعي العام، واعتبرته عارياً من الصحة ومعادياً للسامية. ودافعت عن عملياتها العسكرية في غزة، مؤكدة أنها تستهدف حركة حماس فقط، وأنها تتخذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين. كما أكدت إسرائيل أنها ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن المحكمة لا تملك ولاية قضائية على أراضيها.
- حماس: رحبت حركة حماس بطلب المدعي العام، ودعت المحكمة إلى إصدار أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت. كما دعت المحكمة إلى التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 2007.
- فلسطين: رحبت السلطة الفلسطينية بطلب المدعي العام، واعتبرته خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. ودعت المحكمة إلى تسريع التحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- الولايات المتحدة: انتقدت الولايات المتحدة بشدة طلب المدعي العام، واعتبرته شائناً وغير مبرر. وأكدت الولايات المتحدة دعمها القوي لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها. كما أكدت أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك ولاية قضائية على إسرائيل أو الولايات المتحدة.
- الاتحاد الأوروبي: اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً حذراً، حيث أكد على أهمية عمل المحكمة الجنائية الدولية، ولكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة احترام استقلاليتها وحياديتها.
- دول أخرى: أيدت بعض الدول طلب المدعي العام، واعتبرته خطوة ضرورية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب في غزة. بينما انتقدت دول أخرى الطلب، واعتبرته تدخلاً في الشؤون الداخلية لإسرائيل.
التحديات التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية
تواجه المحكمة الجنائية الدولية العديد من التحديات في قضية نتنياهو وغالانت، من بينها:
- عدم اعتراف إسرائيل بولاية المحكمة: إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي لا تعترف بولاية المحكمة على أراضيها. وهذا يعني أن إسرائيل لن تتعاون مع المحكمة في التحقيقات أو تنفيذ أوامر الاعتقال.
- صعوبة جمع الأدلة: من الصعب على المحكمة الجنائية الدولية جمع الأدلة في غزة، نظراً للقيود المفروضة على الوصول إلى القطاع من قبل إسرائيل ومصر. كما أن الحرب الدائرة في غزة تجعل من الصعب على المحققين إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة.
- الضغوط السياسية: تتعرض المحكمة الجنائية الدولية لضغوط سياسية كبيرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تعارضان بشدة أي محاولة لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم حرب.
- تنفيذ أوامر الاعتقال: حتى إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، فإنه من غير المرجح أن يتم القبض عليهما، نظراً لأن إسرائيل لن تتعاون مع المحكمة. وحتى إذا سافر نتنياهو أو غالانت إلى دولة عضو في نظام روما الأساسي، فإن الدولة قد تتردد في تنفيذ أوامر الاعتقال، خوفاً من إغضاب إسرائيل والولايات المتحدة.
الآثار المحتملة للطلب
بغض النظر عن النتيجة النهائية لقضية نتنياهو وغالانت، فإن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية له آثار محتملة كبيرة، من بينها:
- تدهور العلاقات بين إسرائيل والمجتمع الدولي: قد يؤدي الطلب إلى تدهور العلاقات بين إسرائيل والمجتمع الدولي، خاصةً مع الدول التي تدعم المحكمة الجنائية الدولية.
- زيادة الضغوط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة: قد يزيد الطلب من الضغوط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
- تشويه صورة إسرائيل الدولية: قد يشوه الطلب صورة إسرائيل الدولية، ويجعل من الصعب عليها تبرير سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- إلهام ضحايا جرائم الحرب في جميع أنحاء العالم: قد يلهم الطلب ضحايا جرائم الحرب في جميع أنحاء العالم للبحث عن العدالة من خلال المحكمة الجنائية الدولية.
الخلاصة
يمثل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باستصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت تطوراً تاريخياً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه المحكمة، فإن هذا الطلب يبعث برسالة قوية مفادها أن المسؤولين عن جرائم الحرب لن يفلتوا من العقاب. وسيكون للمستقبل القريب الكلمة الفصل في تحديد ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية ستنجح في محاسبة نتنياهو وغالانت، أم أن الضغوط السياسية ستمنعها من تحقيق العدالة لضحايا الحرب في غزة.
رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=4EW5-oYub30
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة