Now

ملف التعديلات القضائية يعود إلى الواجهة ويعمق أزمة نتنياهو بالتزامن مع الحرب بغزة

ملف التعديلات القضائية يعود إلى الواجهة ويعمق أزمة نتنياهو بالتزامن مع الحرب بغزة

الحرب في غزة، بتداعياتها الإنسانية والسياسية والأمنية، لم تستطع أن تمحو من الذاكرة الإسرائيلية الجدل المحتدم حول التعديلات القضائية التي اقترحتها حكومة بنيامين نتنياهو قبل السابع من أكتوبر. بل على العكس، يبدو أن هذه الحرب قد أعادت هذا الملف إلى الواجهة بقوة أكبر، وأضافت إليه طبقات جديدة من التعقيد، مما يعمق أزمة نتنياهو السياسية والشخصية على حد سواء.

قبل الحرب، كان ملف التعديلات القضائية هو الشغل الشاغل للسياسة الإسرائيلية. انقسم المجتمع الإسرائيلي حوله بشكل حاد، وشهدت المدن الإسرائيلية مظاهرات حاشدة أسبوعياً، شارك فيها مئات الآلاف من الإسرائيليين المعارضين لهذه التعديلات. كانت هذه التعديلات، التي تهدف إلى تقويض سلطة المحكمة العليا وتقليل قدرتها على مراجعة قرارات الحكومة والكنيست، تُنظر إليها من قبل المعارضة على أنها تهديد للديمقراطية الإسرائيلية وتكريس لسلطة الأغلبية على حساب حقوق الأقليات وحماية الحريات الفردية.

بالمقابل، دافع نتنياهو وحلفاؤه في الائتلاف الحكومي عن هذه التعديلات باعتبارها ضرورية لإعادة التوازن بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتقوية سلطة المنتخبين على حساب سلطة غير المنتخبين. وزعموا أن المحكمة العليا أصبحت متدخلة بشكل مفرط في الشؤون السياسية والاقتصادية، وأنها تعرقل قدرة الحكومة على تنفيذ برنامجها الانتخابي.

عندما اندلعت الحرب في غزة، بدا وكأن هذا الملف قد تم تجميده مؤقتاً. اتفق الطرفان، الحكومة والمعارضة، على تأجيل النقاش حول التعديلات القضائية والتركيز على مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية التي تفرضها الحرب. ومع ذلك، فإن هذا التجميد لم يكن إلا هدنة مؤقتة، سرعان ما انتهت مع استمرار الحرب وتفاقم أزماتها.

أحد الأسباب الرئيسية لعودة ملف التعديلات القضائية إلى الواجهة هو الطريقة التي أدارت بها حكومة نتنياهو الحرب. فقد تعرضت الحكومة لانتقادات شديدة بسبب إخفاقها في توقع هجوم حماس، وبطء استجابتها له، وتخبطها في إدارة العمليات العسكرية والإنسانية في غزة. واتهمت المعارضة نتنياهو بالتركيز على مصالحه السياسية الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، وبالتضحية بأمن الإسرائيليين من أجل الحفاظ على بقائه في السلطة.

بالإضافة إلى ذلك، أثارت الحرب تساؤلات جديدة حول العلاقة بين السلطتين السياسية والقضائية في إسرائيل. ففي ظل حالة الطوارئ التي فرضتها الحرب، اتخذت الحكومة قرارات عديدة مثيرة للجدل، مثل فرض قيود على حرية التعبير والتجمع، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية، واعتقال ناشطين وصحفيين بتهم تتعلق بالتحريض أو دعم الإرهاب. وقد لجأ العديد من هؤلاء الأشخاص إلى المحكمة العليا للطعن في هذه القرارات، مما أعاد الجدل حول صلاحيات المحكمة ودورها في حماية الحقوق والحريات الأساسية في أوقات الأزمات.

كما أن الحرب كشفت عن انقسامات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، وحول الحلول الممكنة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد انعكست هذه الانقسامات على النقاش حول التعديلات القضائية، حيث يرى البعض أن تقويض سلطة المحكمة العليا سيؤدي إلى تقويض حقوق الفلسطينيين وتكريس الاحتلال، بينما يرى آخرون أن المحكمة العليا كانت دائماً منحازة ضد إسرائيل وأنها تعرقل جهود الحكومة في الحفاظ على الأمن ومواجهة الإرهاب.

أزمة نتنياهو الشخصية تزداد تعقيداً بسبب هذه التطورات. فمن ناحية، يواجه نتنياهو اتهامات بالفساد في ثلاث قضايا جنائية مختلفة، ولا يزال محاكمته مستمرة. ومن ناحية أخرى، يواجه ضغوطاً متزايدة من داخل حزبه، الليكود، ومن شركائه في الائتلاف الحكومي، الذين بدأوا يشككون في قدرته على قيادة البلاد في ظل هذه الظروف الصعبة. وقد بدأت تظهر أصوات داخل الليكود تطالب بتغيير القيادة، والبحث عن بديل لنتنياهو يمكنه أن يوحد الحزب والمجتمع الإسرائيلي.

إن عودة ملف التعديلات القضائية إلى الواجهة في ظل الحرب في غزة يمثل تحدياً كبيراً لنتنياهو وحكومته. فهو يضطر إلى التعامل مع ضغوط داخلية وخارجية هائلة، وإلى مواجهة انتقادات متزايدة لأدائه في إدارة الحرب. كما أنه يضطر إلى إيجاد طريقة لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمجتمع، وإعادة توحيد الإسرائيليين حول رؤية مشتركة لمستقبل البلاد.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن نتنياهو سيحاول تأجيل النقاش حول التعديلات القضائية قدر الإمكان، والتركيز على إدارة الحرب ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تفرضها. وقد يحاول أيضاً إجراء بعض التعديلات الطفيفة على هذه التعديلات، بهدف تهدئة المعارضة وتجنب المزيد من التصعيد.

ومع ذلك، فإن من غير المرجح أن يتمكن نتنياهو من إخماد هذا الملف بشكل كامل. فالانقسامات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي حول هذه القضية ستستمر في الظهور، وستظل تشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاجتماعي في إسرائيل.

مستقبل إسرائيل السياسي يعتمد على قدرة قادتها على إيجاد حلول توافقية لهذه القضايا الخلافية، وعلى بناء جسور الثقة بين مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي. وإذا فشلوا في ذلك، فإن إسرائيل قد تواجه المزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية، وقد تتدهور الأوضاع إلى حد لا يمكن إصلاحه.

الحرب في غزة أظهرت بوضوح أن إسرائيل تواجه تحديات وجودية حقيقية، وأن بقاءها يعتمد على قدرتها على التوحد والتغلب على انقساماتها الداخلية. فهل سيكون القادة الإسرائيليون على مستوى المسؤولية؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع والشهور القادمة.

في الخلاصة، يمكن القول إن ملف التعديلات القضائية لم يختفِ، بل عاد إلى الواجهة بقوة أكبر بالتزامن مع الحرب في غزة. هذه العودة تعمق أزمة نتنياهو السياسية والشخصية، وتزيد من التحديات التي تواجهها إسرائيل. مستقبل إسرائيل يعتمد على قدرة قادتها على إيجاد حلول توافقية لهذه القضايا الخلافية، وعلى بناء جسور الثقة بين مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي.

مقالات مرتبطة

الجيش الإسرائيلي مقتل 4 ضباط أحدهم برتبة رائد و3 برتبة ملازم في رفح جنوبي قطاع غزة

كيف يُقرأ التصعيد الإسرائيلي الجديد على لبنان

مصدر قيادي بحزب الله للجزيرة الاعتداءات فرصة لتوحيد اللبنانيين ووقف العدوان أولوية قبل أي شيء آخر

إسرائيل تصعد في جنوب لبنان ما وراء الخبر يناقش رسائل التصعيد

مصادر عسكرية للجزيرة الدعم السريع يقصف بالمدفعية الثقيلة مراكز الإيواء وحيي أبو شوك ودرجة

المبعوث الأممي إلى سوريا للجزيرة ما تقوم به إسرائيل في سوريا مؤذ ومضر

الناطق العسكري باسم أنصار الله قصفنا هدفا عسكريا في يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي

عمليات بارزة على الحدود الأردنية الإسرائيلية من الدقامسة إلى معبر اللنبي تعرف إليها

وول ستريت جورنال عن مسؤولين ترمب أخبر مساعديه أن نتنياهو يُفضل استخدام القوة بدلا من التفاوض

في حفل موسيقي عالمي قائد أوركسترا إسرائيلي يهاجم حرب غزة

مسار الأحداثالاحتلال يواصل عملياته بمدينة غزة وعمليات متعددة ضد أهداف إسرائيلية

الخارجية الأردنية تدين إطلاق النار على جسر اللنبي وتفتح تحقيقا عاجلا