قصة عزير كاتب التلمود الذي قامو بتأليهه مثل ما أله المسيحيون عيسى
قصة عزير كاتب التلمود الذي قاموا بتأليهه كما أله المسيحيون عيسى: تحليل وتقييم
انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من المقاطع المصورة على منصة يوتيوب تتناول قضايا دينية وتاريخية شائكة، وغالباً ما تهدف إلى إثارة الجدل أو تقديم تفسيرات مغايرة لما هو متعارف عليه. من بين هذه المقاطع، يبرز فيديو بعنوان قصة عزير كاتب التلمود الذي قاموا بتأليهه كما أله المسيحيون عيسى، والذي يتناول شخصية عزير (أو عزرا في الترجمات الإنجليزية) ويزعم أن اليهود قاموا بتأليهه على غرار تأليه المسيحيين لعيسى عليه السلام. رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=ZhqKvlaBvm8
تهدف هذه المقالة إلى تحليل هذا الادعاء وتقييمه بناءً على المصادر الدينية والتاريخية المتاحة، مع مراعاة السياق التاريخي والديني الذي ظهرت فيه هذه الادعاءات.
من هو عزير؟
عزير هو شخصية ذكرت في القرآن الكريم، ويُعتقد أنه النبي عزرا المذكور في العهد القديم. يعتبر عزرا شخصية محورية في تاريخ اليهودية، حيث لعب دوراً هاماً في إعادة بناء المجتمع اليهودي بعد العودة من السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد. يُنسب إليه الفضل في تجميع وتدوين التوراة، بالإضافة إلى إصلاحات دينية واجتماعية مهمة. يعتبره اليهود من أعظم قادتهم الدينيين والروحيين.
الادعاء بتأليه عزير: نظرة في النصوص والمصادر
الادعاء بأن اليهود ألهوا عزيراً يستند بشكل أساسي إلى الآية القرآنية في سورة التوبة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
يعتمد مروجو فكرة تأليه عزير على تفسير حرفي لهذه الآية، معتبرين أنها دليل قاطع على أن اليهود اعتقدوا فعلاً بأن عزيراً هو ابن الله. ومع ذلك، فإن هذا التفسير يثير العديد من الإشكاليات:
- السياق القرآني: الآية الكريمة جاءت في سياق انتقاد بعض المعتقدات الخاطئة التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، وليس بالضرورة أنها تمثل العقيدة الرسمية لجميع اليهود. القرآن الكريم يوجه انتقادات مماثلة للمسيحيين بسبب اعتقادهم بألوهية المسيح، ولكن هذا لا يعني أن جميع المسيحيين يؤمنون بنفس الشيء.
- المصادر اليهودية: لا يوجد أي ذكر في المصادر اليهودية، سواء الدينية أو التاريخية، لما يشير إلى أن اليهود ألهوا عزيراً أو اعتبروه ابناً لله. التلمود، الذي يعتبر من أهم المصادر الدينية اليهودية، لا يحتوي على أي إشارة من هذا القبيل. بل على العكس، يؤكد التلمود على بشرية عزرا وأهمية دوره في إعادة بناء المجتمع اليهودي.
- التفسيرات البديلة للآية: يقدم العديد من المفسرين تفسيرات بديلة للآية القرآنية، تشير إلى أن المقصود بالقول عزير ابن الله هو تعظيم شأنه والمبالغة في تقديره، وليس الاعتقاد الحرفي بأنه ابن الله. يمكن أن يكون هذا التعبير مجازياً يعكس المكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها عزرا في نظر بعض اليهود.
- السياق التاريخي: لم تكن فكرة ابن الله غريبة على الثقافات المحيطة باليهود في ذلك الوقت. كانت هناك العديد من الديانات الوثنية التي تعتقد بوجود آلهة أنصاف بشر، أو أنصاف آلهة. لذا، فإن استخدام هذا التعبير، حتى لو كان مجازياً، كان يمكن أن يكون مقبولاً في ذلك السياق التاريخي.
التلمود وعزير: هل هناك علاقة؟
يزعم الفيديو المذكور أن عزير هو كاتب التلمود. هذا الادعاء غير دقيق تاريخياً. صحيح أن عزرا لعب دوراً هاماً في تجميع وتدوين التوراة، ولكن التلمود هو مجموعة من الشروحات والتفاسير للتوراة، وقد تم تدوينه على مدى قرون بعد وفاة عزرا. لذا، لا يمكن اعتبار عزرا هو كاتب التلمود.
إن الربط بين عزرا والتلمود يهدف على الأرجح إلى إضفاء مصداقية على الادعاء بتأليه عزير، من خلال الإيحاء بأن التلمود يحتوي على نصوص تشير إلى ذلك. ولكن، كما ذكرنا سابقاً، لا يوجد أي دليل على ذلك في التلمود أو في أي من المصادر اليهودية الأخرى.
مقارنة تأليه عزير بتأليه المسيح: مغالطات وأوجه اختلاف
يحاول الفيديو أن يقارن بين الادعاء بتأليه عزير وتأليه المسيح من قبل المسيحيين. هذه المقارنة غير دقيقة ومضللة، للأسباب التالية:
- الأساس العقائدي: الاعتقاد بألوهية المسيح هو جزء أساسي من العقيدة المسيحية، ويستند إلى نصوص إنجيلية واضحة. بينما لا يوجد أي أساس عقائدي في اليهودية للاعتقاد بألوهية عزير.
- انتشار الاعتقاد: الاعتقاد بألوهية المسيح منتشر على نطاق واسع بين المسيحيين، وهو جزء من العقيدة الرسمية للكنائس المختلفة. بينما لا يوجد أي دليل على أن الاعتقاد بألوهية عزير كان منتشراً على نطاق واسع بين اليهود، أو أنه كان جزءاً من العقيدة الرسمية لليهودية.
- المصادر الدينية: تدعم المصادر المسيحية الاعتقاد بألوهية المسيح، بينما لا يوجد أي مصدر ديني يهودي يدعم الاعتقاد بألوهية عزير.
خلاصة
إن الادعاء بأن اليهود ألهوا عزيراً هو ادعاء غير دقيق ومضلل، ولا يستند إلى أي دليل تاريخي أو ديني موثوق. الآية القرآنية التي يستند إليها هذا الادعاء يمكن تفسيرها بطرق مختلفة، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تعكس العقيدة الرسمية لجميع اليهود. كما أن الربط بين عزير والتلمود هو ربط غير دقيق تاريخياً، ويهدف على الأرجح إلى إضفاء مصداقية على هذا الادعاء الزائف.
إن مقارنة تأليه عزير بتأليه المسيح هي مقارنة غير دقيقة ومضللة، لأن الاعتقاد بألوهية المسيح هو جزء أساسي من العقيدة المسيحية، بينما لا يوجد أي أساس عقائدي في اليهودية للاعتقاد بألوهية عزير.
من الضروري التعامل بحذر مع هذه الادعاءات، والتحقق من صحة المعلومات قبل تصديقها أو نشرها. يجب الاعتماد على المصادر الدينية والتاريخية الموثوقة، وتجنب الانسياق وراء التفسيرات المغرضة التي تهدف إلى إثارة الفتنة والبلبلة.
إن البحث الموضوعي والتحليل النقدي هما السبيل الأمثل لفهم القضايا الدينية والتاريخية الشائكة، وتجنب الوقوع في فخ المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة