وساطة أميركية بين تركيا وإسرائيل هل ينجح ترامب في فض الاشتباك بسوريا
وساطة أميركية بين تركيا وإسرائيل: هل ينجح ترامب في فض الاشتباك بسوريا؟
الوضع في سوريا معقد ومتشابك، يتداخل فيه العديد من المصالح الإقليمية والدولية. ومن بين أبرز اللاعبين في هذا الصراع تركيا وإسرائيل، اللتان تجمعهما علاقات متوترة بالرغم من وجود تاريخ طويل من التعاون والتنسيق في بعض الملفات. وفي خضم هذا التعقيد، تبرز محاولات الولايات المتحدة، وخاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، للعب دور الوسيط بين الطرفين، بهدف تخفيف حدة التوتر وربما تحقيق انفراجة في الأزمة السورية.
يقدم الفيديو المرفق تحليلاً معمقاً لهذه المساعي الأمريكية، متناولاً خلفيات العلاقة التركية الإسرائيلية، والمصالح المتضاربة لكل منهما في سوريا، بالإضافة إلى تقييم فرص نجاح الوساطة الأمريكية في ظل التحديات القائمة. دعونا نتناول هذه الجوانب بالتفصيل:
خلفيات العلاقة التركية الإسرائيلية: بين التعاون والتوتر
على الرغم من التوترات السياسية الظاهرة، إلا أن العلاقات التركية الإسرائيلية شهدت فترات من التعاون الوثيق، خاصة في المجالين العسكري والاستخباراتي. يعود ذلك إلى المصالح المشتركة في مواجهة بعض التحديات الإقليمية، مثل احتواء النفوذ الإيراني، ومكافحة الإرهاب. ومع ذلك، تعرضت هذه العلاقات لانتكاسات كبيرة، خاصة بعد حادثة سفينة مافي مرمرة عام 2010، والتي أسفرت عن مقتل عدد من النشطاء الأتراك على يد القوات الإسرائيلية. هذا الحادث أدى إلى تدهور حاد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتبادل الاتهامات والانتقادات.
علاوة على ذلك، يعتبر الدعم التركي للقضية الفلسطينية، وانتقاد السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، من أبرز أسباب التوتر المستمر بين البلدين. ترى تركيا في القضية الفلسطينية قضية مركزية، وتسعى إلى لعب دور فاعل في دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه. في المقابل، تعتبر إسرائيل أن هذا التدخل التركي يشكل تهديداً لأمنها القومي، وتقويضاً لجهودها في الحفاظ على الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المصالح المتضاربة في سوريا: ساحة لتصفية الحسابات؟
تعتبر سوريا ساحة لتنافس المصالح بين تركيا وإسرائيل. فلكل منهما أهداف استراتيجية مختلفة تسعى إلى تحقيقها في هذا البلد المضطرب. بالنسبة لتركيا، تعتبر حماية أمنها القومي من أبرز الأولويات في سوريا. وتنظر أنقرة بقلق بالغ إلى تواجد الميليشيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK) على طول حدودها الجنوبية، وتعتبرها تهديداً وجودياً لها. لذلك، تسعى تركيا إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، بهدف إبعاد هذه الميليشيات عن حدودها، ومنع قيام كيان كردي مستقل قد يشكل خطراً على وحدة أراضيها.
من جهة أخرى، تركز إسرائيل على منع إيران وحلفائها، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، من ترسيخ وجودهم في سوريا. تعتبر إسرائيل أن التواجد الإيراني في سوريا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها، وتسعى إلى منع إيران من تحويل سوريا إلى قاعدة انطلاق لشن هجمات ضدها. لذلك، شنت إسرائيل العديد من الغارات الجوية على أهداف إيرانية وحليفة لها في سوريا، بهدف تقويض قدراتها العسكرية ومنعها من الحصول على أسلحة متطورة.
هذا التضارب في المصالح يجعل من الصعب تحقيق توافق بين تركيا وإسرائيل في سوريا. فكل طرف يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة، دون الاهتمام بمصالح الطرف الآخر. هذا الأمر يزيد من تعقيد الأزمة السورية، ويجعل من الصعب التوصل إلى حل سياسي شامل يرضي جميع الأطراف.
الوساطة الأمريكية: هل ينجح ترامب حيث فشل الآخرون؟
في ظل هذا الوضع المعقد، حاولت الولايات المتحدة، وخاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل. كان ترامب يرى أن لديه علاقات جيدة مع قادة البلدين، وأنه قادر على إقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حلول وسطى. كما كان ترامب يعتقد أن تحقيق الاستقرار في سوريا يصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأنه من الضروري تخفيف حدة التوتر بين تركيا وإسرائيل لتحقيق هذا الهدف.
إلا أن فرص نجاح الوساطة الأمريكية كانت محدودة للغاية. فبالإضافة إلى التضارب في المصالح بين تركيا وإسرائيل، كان هناك أيضاً عوامل أخرى تعيق جهود الوساطة. من بين هذه العوامل، عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، والخلافات العميقة حول القضايا الإقليمية، والشكوك حول حيادية الولايات المتحدة في هذا الصراع.
علاوة على ذلك، كانت السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب تتسم بالتقلب وعدم الاستقرار. فقد اتخذ ترامب العديد من القرارات المفاجئة التي أثارت غضب حلفاء الولايات المتحدة، وزعزعت الثقة في القيادة الأمريكية. هذا الأمر جعل من الصعب على الولايات المتحدة لعب دور الوسيط النزيه والموثوق به في الصراع السوري.
بالنظر إلى هذه التحديات، يبدو أن فرص نجاح الوساطة الأمريكية بين تركيا وإسرائيل في سوريا كانت ضئيلة للغاية. فبالرغم من الجهود التي بذلتها إدارة ترامب، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف. ولا يزال الصراع السوري مستمراً، ولا تزال تركيا وإسرائيل على طرفي نقيض، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويطيل أمدها.
الخلاصة: مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية في ظل استمرار الأزمة السورية
في الختام، يمكن القول أن العلاقات التركية الإسرائيلية تمر بمرحلة حرجة، وأن الأزمة السورية تلعب دوراً كبيراً في تعقيد هذه العلاقات. فالتضارب في المصالح، وعدم الثقة المتبادلة، والخلافات العميقة حول القضايا الإقليمية، كلها عوامل تزيد من حدة التوتر بين البلدين. وبالرغم من محاولات الوساطة الأمريكية، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف. ولا يزال مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية غير واضح، ويتوقف على تطورات الأوضاع في سوريا، وعلى قدرة الطرفين على إيجاد حلول وسطى ترضي مصالحهما المشتركة.
من الواضح أن تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب تعاوناً إقليمياً ودولياً، ومشاركة جميع الأطراف المعنية في العملية السياسية. ولا يمكن لتركيا أو إسرائيل تحقيق أهدافهما في سوريا بشكل منفرد، دون الأخذ في الاعتبار مصالح الأطراف الأخرى. لذلك، من الضروري أن تتبنى تركيا وإسرائيل نهجاً أكثر واقعية وبراغماتية في التعامل مع الأزمة السورية، وأن تسعيا إلى إيجاد حلول سياسية تضمن أمنهما واستقرارهما، وتحافظ على وحدة سوريا وسيادتها.
وبالنظر إلى التعقيدات والتحديات القائمة، يبدو أن الطريق نحو تحقيق السلام والاستقرار في سوريا طويل وشائك. ولكن بالعمل الجاد والمثابرة، وبالتعاون مع جميع الأطراف المعنية، يمكن تحقيق هذا الهدف في نهاية المطاف. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في دعم جهود السلام في سوريا، وتقديم المساعدة الإنسانية للشعب السوري الذي عانى الكثير خلال السنوات الماضية.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة