نتنياهو لن نسمح بالعودة إلى وضع يُنشأ فيه لبنان ثان في سوريا
تحليل لتصريح نتنياهو حول سوريا ولبنان: قراءة في الدوافع والأبعاد
في عالم السياسة المعقد والمتشابك، تتوالى التصريحات والمواقف التي تحمل في طياتها دلالات عميقة وتأثيرات محتملة على مسار الأحداث. ومن بين هذه التصريحات، ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، في فيديو متداول على يوتيوب بعنوان نتنياهو لن نسمح بالعودة إلى وضع يُنشأ فيه لبنان ثان في سوريا (الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=UhLgvYLol7w&pp=0gcJCc0JAYcqIYzv). هذا التصريح، الذي يبدو ظاهريًا بسيطًا، يحمل في مضمونه رؤية استراتيجية إسرائيلية واضحة تجاه كل من سوريا ولبنان، ويعكس مخاوف إسرائيلية متزايدة من تطورات الأوضاع في المنطقة.
لفهم أبعاد هذا التصريح، يجب أولاً وضعه في سياقه الزماني والمكاني. فسوريا، التي تعيش منذ أكثر من عقد من الزمن حربًا أهلية مدمرة، أصبحت ساحة صراع إقليمي ودولي، حيث تتنافس قوى مختلفة على النفوذ والسيطرة. ومن بين هذه القوى، إيران وحلفاؤها، الذين يسعون إلى ترسيخ وجودهم في سوريا وتحويلها إلى قاعدة انطلاق لتهديد إسرائيل. أما لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، فيشهد أيضًا تصاعدًا في نفوذ حزب الله، المدعوم من إيران، والذي يمتلك قوة عسكرية كبيرة وقدرة على التأثير في السياسة اللبنانية.
إذن، ما الذي قصده نتنياهو تحديدًا بتصريحه؟ وما هي الدوافع الكامنة وراء هذا التحذير؟ وما هي الأبعاد الاستراتيجية التي ينطوي عليها؟ للإجابة على هذه الأسئلة، يجب تحليل التصريح من عدة زوايا:
أولاً: المفهوم الإسرائيلي لـ لبنان ثان في سوريا
عندما يتحدث نتنياهو عن لبنان ثان في سوريا، فإنه يشير بوضوح إلى السيناريو الذي تعتبره إسرائيل الأكثر تهديدًا لأمنها القومي. هذا السيناريو يتمثل في تحول سوريا إلى قاعدة متقدمة لإيران وحزب الله، على غرار الوضع القائم في لبنان. فإسرائيل ترى أن حزب الله، الذي يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة المتطورة، يمثل تهديدًا استراتيجيًا لها، وأن أي تكرار لهذا السيناريو في سوريا سيضاعف من هذا التهديد ويجعله أكثر تعقيدًا.
المقصود بـ لبنان ثان ليس فقط وجود قوة عسكرية مدعومة من إيران في سوريا، بل أيضًا وجود نفوذ سياسي واقتصادي يتيح لهذه القوة التحكم في مقاليد الأمور في البلاد. فإسرائيل تخشى من أن تتمكن إيران وحلفاؤها من بناء دولة موازية داخل الدولة السورية، على غرار ما فعله حزب الله في لبنان، حيث يمتلك الحزب مؤسسات اقتصادية واجتماعية وشبكة علاقات واسعة تمكنه من التأثير في القرارات الحكومية والسياسات العامة.
ثانياً: الدوافع الكامنة وراء التحذير
هناك عدة دوافع كامنة وراء تحذير نتنياهو من إنشاء لبنان ثان في سوريا. من بين هذه الدوافع:
- الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي: هذا هو الدافع الأهم والأكثر وضوحًا. فإسرائيل تعتبر نفسها مهددة من قبل إيران وحلفائها، وتسعى بكل الوسائل المتاحة لمنعهم من ترسيخ وجودهم في سوريا. فوجود قوة عسكرية مدعومة من إيران على حدود إسرائيل الشمالية، سواء في لبنان أو في سوريا، يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها.
- منع تغيير ميزان القوى في المنطقة: إسرائيل تسعى إلى الحفاظ على تفوقها العسكري والاستراتيجي في المنطقة، وتعارض أي تغيير في ميزان القوى قد يهدد هذا التفوق. فترسيخ وجود إيران وحلفائها في سوريا سيؤدي إلى تقويض النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، ويمنح إيران وحزب الله مزيدًا من القوة والنفوذ.
- إرضاء الرأي العام الإسرائيلي: تصريحات نتنياهو المتشددة تجاه إيران وحلفائها غالبًا ما تهدف إلى إرضاء الرأي العام الإسرائيلي، الذي يشعر بالقلق من التهديدات الأمنية المحيطة بإسرائيل. هذه التصريحات تساعد نتنياهو على تعزيز صورته كزعيم قوي وحازم، وقادر على حماية إسرائيل من أعدائها.
- إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي: من خلال تحذيراته المتكررة، يسعى نتنياهو إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى الخطر الذي تمثله إيران وحلفاؤها على الاستقرار الإقليمي والعالمي. فهو يحاول إقناع القوى الكبرى بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من نفوذ إيران في المنطقة.
ثالثاً: الأبعاد الاستراتيجية للتصريح
لتصريح نتنياهو أبعاد استراتيجية متعددة، تتجاوز مجرد التحذير من تهديد أمني محتمل. من بين هذه الأبعاد:
- تحديد الخطوط الحمراء لإسرائيل في سوريا: من خلال تصريحه، يوضح نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح لإيران وحلفائها بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في سوريا، وأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لمنع ذلك، حتى لو اضطرت إلى استخدام القوة العسكرية. هذا التصريح بمثابة تحديد للخطوط الحمراء التي لن تسمح إسرائيل بتجاوزها في سوريا.
- إضفاء الشرعية على العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا: إسرائيل تقوم منذ سنوات بشن غارات جوية على أهداف إيرانية وأهداف لحزب الله في سوريا، بحجة منع إيران من نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله. من خلال تصريحاته، يسعى نتنياهو إلى إضفاء الشرعية على هذه العمليات، وتبريرها أمام الرأي العام الدولي.
- محاولة التأثير في السياسات الدولية تجاه سوريا: إسرائيل تسعى إلى التأثير في السياسات الدولية تجاه سوريا، وإقناع القوى الكبرى بتبني موقف أكثر تشددًا تجاه إيران وحلفائها. من خلال تصريحاته، يحاول نتنياهو الضغط على المجتمع الدولي لفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، ومنعها من تقديم الدعم المالي والعسكري لحلفائها في سوريا.
- تعزيز التحالفات الإقليمية ضد إيران: إسرائيل تعمل على تعزيز تحالفاتها الإقليمية مع دول عربية معارضة لإيران، مثل السعودية والإمارات. تصريحات نتنياهو المتشددة تجاه إيران وحلفائها تهدف إلى طمأنة هذه الدول، وتأكيد التزام إسرائيل بالعمل معها لمواجهة التهديدات المشتركة.
خلاصة
تصريح نتنياهو حول سوريا ولبنان ليس مجرد تحذير عابر، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية إسرائيلية واضحة تجاه المنطقة. هذا التصريح يعكس مخاوف إسرائيلية متزايدة من تطورات الأوضاع في سوريا ولبنان، ويعبر عن تصميم إسرائيل على منع إيران وحلفائها من ترسيخ وجودهم في المنطقة. يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها؟ وهل ستتمكن من منع إنشاء لبنان ثان في سوريا؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على تطورات الأوضاع في المنطقة، وعلى قدرة إسرائيل على التأثير في السياسات الدولية.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة