غالانت يؤكد أن إسرائيل لن تدير الحياة المدنية في قطاع غزة بعد الحرب وستسيطر عليه أمنيا
تحليل تصريحات غالانت حول مستقبل غزة بعد الحرب: السيطرة الأمنية وغياب الإدارة المدنية
يمثل الفيديو المنشور على يوتيوب والذي يحمل عنوان غالانت يؤكد أن إسرائيل لن تدير الحياة المدنية في قطاع غزة بعد الحرب وستسيطر عليه أمنيا تصريحاً بالغ الأهمية من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، يكشف عن الخطوط العريضة للتصور الإسرائيلي لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة. هذا التصريح، بغض النظر عن مدى دقته أو قابليته للتطبيق على أرض الواقع، يثير أسئلة جوهرية حول مستقبل القطاع، وعلاقته بإسرائيل، ومصير سكانه الفلسطينيين، والأطراف الإقليمية والدولية المعنية.
إن جوهر تصريح غالانت يتركز على نقطتين أساسيتين: الأولى، نفي نية إسرائيل إدارة الحياة المدنية في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية. والثانية، التأكيد على استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع. هذا التقسيم الثنائي يشي باستراتيجية إسرائيلية تسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة ظاهرياً: التخلص من مسؤولية إدارة شؤون السكان اليومية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على نفوذ أمني يضمن عدم تهديد أمن إسرائيل من القطاع.
أولاً: نفي الإدارة المدنية: الدلالات والتحديات
إن نفي إسرائيل إدارة الحياة المدنية في غزة يحمل في طياته دلالات متعددة. قد يعكس هذا القرار رغبة إسرائيلية في تجنب التورط في إدارة شؤون قطاع يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وإنسانية مزمنة، والتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه سكانه. فإدارة قطاع يعاني من بنية تحتية مدمرة، ونظام صحي متدهور، ومعدلات بطالة وفقر مرتفعة، تمثل عبئاً ثقيلاً على أي جهة، سواء كانت دولة أو منظمة دولية. كما أن الإدارة المدنية تتطلب توفير الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي، وهذا يقتضي استثمارات ضخمة وقدرات لوجستية هائلة.
إضافة إلى ذلك، قد يكون نفي الإدارة المدنية محاولة إسرائيلية لتجنب الاحتكاك المباشر بالسكان الفلسطينيين، وتفادي الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية التي قد تنجم عن أي تدخل إسرائيلي في الشؤون اليومية للمواطنين. فالتجربة التاريخية تشير إلى أن أي وجود إسرائيلي مباشر في غزة يثير مقاومة شعبية واسعة النطاق، ويزيد من حدة التوتر والعنف.
ومع ذلك، فإن هذا القرار يثير تحديات جمة. فمن سيقوم بإدارة الحياة المدنية في غزة في غياب الإدارة الإسرائيلية؟ هل ستسلم السلطة الفلسطينية زمام الأمور؟ أم ستشكل إدارة محلية من شخصيات فلسطينية مستقلة؟ أم ستتولى منظمات دولية هذه المهمة؟ كل هذه السيناريوهات تحمل في طياتها صعوبات وعقبات كبيرة. فالسلطة الفلسطينية تعاني من ضعف في الشرعية والقدرات، وتواجه معارضة شديدة من فصائل فلسطينية أخرى. وتشكيل إدارة محلية قد يكون صعباً في ظل الانقسام السياسي الحاد بين الفصائل الفلسطينية. أما المنظمات الدولية، فقد تتردد في تولي هذه المهمة في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي، وعدم وجود ضمانات كافية لحماية موظفيها.
ثانياً: السيطرة الأمنية: الأهداف والتداعيات
إن تأكيد غالانت على استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة يكشف عن الأولوية القصوى التي توليها إسرائيل لأمنها. فإسرائيل تعتبر أن قطاع غزة يشكل تهديداً لأمنها القومي، بسبب وجود فصائل مسلحة تطلق الصواريخ والقذائف على المدن والبلدات الإسرائيلية. ولذلك، تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على نفوذ أمني قوي في القطاع، يتيح لها منع هذه الفصائل من الحصول على الأسلحة والمتفجرات، وإحباط أي محاولات لشن هجمات ضد إسرائيل.
قد تتجسد السيطرة الأمنية الإسرائيلية في غزة في عدة أشكال، مثل: استمرار وجود قوات إسرائيلية على طول الحدود مع القطاع، ومراقبة حركة الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية، وتنفيذ عمليات عسكرية داخل القطاع لملاحقة المسلحين، والقيام بطلعات جوية استطلاعية لمراقبة الأنشطة المشبوهة. كما قد تشمل السيطرة الأمنية الإسرائيلية التعاون مع أجهزة أمنية فلسطينية أو دولية، لتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق في مكافحة الإرهاب.
إلا أن استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة يحمل في طياته تداعيات سلبية. فهو يقوض السيادة الفلسطينية، ويحد من قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بأنفسهم. كما أنه يثير غضب السكان الفلسطينيين، ويزيد من شعورهم بالإحباط واليأس، ويدفع بعضهم إلى الانضمام إلى صفوف الفصائل المسلحة. إضافة إلى ذلك، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وتدمير المنازل والبنية التحتية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً.
التحديات والمخاطر المحتملة
إن التصور الإسرائيلي لمستقبل غزة، كما عبر عنه غالانت، يواجه تحديات ومخاطر جمة. فمن الصعب تصور تحقيق الاستقرار والأمن في القطاع في ظل غياب إدارة مدنية فعالة، واستمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية. فالفراغ الإداري قد يؤدي إلى انتشار الفوضى والجريمة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتزايد التطرف والعنف. أما السيطرة الأمنية الإسرائيلية، فقد تثير مقاومة شعبية واسعة النطاق، وتؤدي إلى تجدد الصراع والعنف.
إضافة إلى ذلك، فإن التصور الإسرائيلي لمستقبل غزة يتجاهل المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني، ويتجاهل حقوقه الأساسية في الحرية والسيادة والاستقلال. فالفلسطينيون يطمحون إلى إقامة دولتهم المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، ويرفضون أي شكل من أشكال الاحتلال أو السيطرة الأجنبية.
كما أن التصور الإسرائيلي لمستقبل غزة يتجاهل دور الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، مثل مصر والأردن والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. فهذه الأطراف لها مصالح استراتيجية في المنطقة، وترغب في تحقيق السلام والاستقرار في فلسطين وإسرائيل. ولذلك، فإن أي حل لمشكلة غزة يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح هذه الأطراف، وأن يحظى بدعمها وموافقتها.
بدائل وحلول ممكنة
إن تحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة يتطلب تبني رؤية شاملة تقوم على أساس الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، واحترام سيادته، وتلبية احتياجاته الإنسانية والاقتصادية. هذه الرؤية يجب أن تتضمن العناصر التالية:
- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي: يجب على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، وأن تنهي سيطرتها الأمنية على القطاع.
- تمكين السلطة الفلسطينية: يجب على المجتمع الدولي أن يدعم السلطة الفلسطينية، وأن يساعدها على تعزيز مؤسساتها وقدراتها، وتمكينها من إدارة شؤون قطاع غزة بشكل كامل.
- إعادة إعمار غزة: يجب على المجتمع الدولي أن يقدم المساعدات المالية والفنية اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة، وإصلاح البنية التحتية المدمرة، وتوفير الخدمات الأساسية للسكان.
- تحقيق المصالحة الفلسطينية: يجب على الفصائل الفلسطينية أن تتفق على المصالحة الوطنية، وأن تشكل حكومة وحدة وطنية قادرة على تمثيل جميع الفلسطينيين، والتفاوض مع إسرائيل على حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
- إطلاق عملية سلام حقيقية: يجب على المجتمع الدولي أن يضغط على إسرائيل والفلسطينيين لاستئناف المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق سلام نهائي ينهي الصراع، ويقيم دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة.
إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية، وتعاوناً وتنسيقاً وثيقاً بين المجتمع الدولي والفلسطينيين والإسرائيليين. إن مستقبل غزة لا يقتصر على الأمن والسيطرة، بل يتجاوز ذلك إلى التنمية والاستقرار والسلام العادل والشامل.
مقالات مرتبطة