هل اللى جابوا السنة هما اللى جابوا القرآن إضلال الناس بأوهام فى الراس اما انك مؤمن بالله او بالبشر
تحليل نقدي لفيديو هل اللى جابوا السنة هما اللى جابوا القرآن إضلال الناس بأوهام فى الراس اما انك مؤمن بالله او بالبشر
يشكل الفيديو المنشور على يوتيوب بعنوان هل اللى جابوا السنة هما اللى جابوا القرآن إضلال الناس بأوهام فى الراس اما انك مؤمن بالله او بالبشر (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=PrBculuQf0U) مادة جدلية تستدعي التحليل النقدي. فالطرح الذي يقدمه الفيديو، والذي يختزل الإيمان في خيار ثنائي بين الإيمان بالله أو الإيمان بالبشر، يمثل تبسيطًا مخلًا لقضية معقدة تتعلق بمصادر التشريع في الإسلام، وتحديدًا العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. هذا المقال يسعى إلى تفكيك هذا الطرح، وبيان أوجه الخلل فيه، مع تقديم رؤية أكثر توازنًا لهذه المسألة المحورية.
تبسيط مخل: الإيمان بالله مقابل الإيمان بالبشر
الفرضية الأساسية التي يقوم عليها الفيديو تكمن في وضع المؤمن أمام خيار قسري: إما الإيمان المطلق بالله، وبالتالي رفض السنة النبوية باعتبارها من صنع البشر، أو الإيمان بالبشر، وبالتالي قبول السنة النبوية على حساب الإيمان الخالص بالله. هذا التصنيف الثنائي يمثل تبسيطًا مفرطًا لطبيعة العلاقة بين الوحي الإلهي والجهد البشري في فهمه وتطبيقه. فالإيمان بالله لا يتعارض بالضرورة مع الأخذ بالسنة النبوية، بل إن الإيمان الكامل بالله يستلزم الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، وتطبيق سنته، وذلك امتثالًا لأوامر الله تعالى في القرآن الكريم.
إن السنة النبوية ليست مجرد أقوال وأفعال عشوائية صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي وحي من الله تعالى، كما قال تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (النجم: 3-4). وهذا الوحي يأتي لشرح وتفسير وتفصيل ما جاء في القرآن الكريم، ولبيان أحكامه، وتطبيقها على الواقع. فالقرآن الكريم هو الأصل، والسنة النبوية هي التطبيق العملي والتفسير النبوي لهذا الأصل.
القول بأن السنة النبوية من صنع البشر، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها، هو مغالطة منطقية. فالسنة النبوية لم تُكتب أو تُجمع بشكل عشوائي، بل خضعت لعملية توثيق دقيقة وشاملة، قام بها الصحابة والتابعون، ثم علماء الحديث في القرون اللاحقة. وقد بذل هؤلاء العلماء جهودًا جبارة في التحقق من صحة الأحاديث، وتمييز الصحيح منها من الضعيف والموضوع. وقد وضعوا قواعد وأصولًا صارمة للرواية والتحديث، لا تزال محل إعجاب وتقدير الباحثين والعلماء في مختلف التخصصات.
إشكالية الذين جابوا السنة
عنوان الفيديو يثير إشكالية أخرى تتعلق بعبارة الذين جابوا السنة. هذه العبارة توحي بأن السنة النبوية تم تجميعها أو اختراعها من قبل مجموعة من الأشخاص، وهو ما يتنافى مع حقيقة الأمر. فالسنة النبوية لم يتم جلبها من مكان مجهول، بل هي أقوال وأفعال وتقريرات النبي صلى الله عليه وسلم، التي نقلها الصحابة الكرام، والذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا أفعاله، وسمعوا أقواله، ثم نقلوها إلى التابعين، وهكذا عبر الأجيال، مع الحرص الشديد على الأمانة والدقة.
إن علماء الحديث لم يكونوا الذين جابوا السنة، بل كانوا هم الذين جمعوا ودونوا وروّوا الأحاديث النبوية، بعد أن تحققوا من صحتها وسندها، وتأكدوا من أمانة رواتها. فجهودهم كانت تهدف إلى الحفاظ على السنة النبوية، وحمايتها من التحريف والضياع، وليس إلى اختراعها أو تزويرها.
المنهجية العلمية في التعامل مع السنة النبوية
لا يمكن إنكار وجود أحاديث ضعيفة أو موضوعة في كتب السنة، ولكن هذا لا يعني أن السنة النبوية كلها لا يمكن الوثوق بها. فالعلماء قد بذلوا جهودًا كبيرة في تمييز الصحيح من الضعيف، ووضعوا قواعد وأصولًا صارمة للتعامل مع الأحاديث، منها: دراسة السند (سلسلة الرواة) والمتن (نص الحديث)، والتحقق من عدالة الرواة وضبطهم، ومقارنة الحديث بغيره من الأحاديث، والنظر في موافقته للقرآن الكريم، والعقل السليم، والتاريخ الثابت.
إن إنكار السنة النبوية بشكل مطلق، بسبب وجود بعض الأحاديث الضعيفة، يشبه إنكار التاريخ كله بسبب وجود بعض الروايات الكاذبة أو المشوهة. فالتاريخ، مثله مثل السنة النبوية، يحتوي على الصحيح والضعيف، وعلى الحق والباطل، ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن ننكر التاريخ كله، بل يجب أن نستخدم المنهجية العلمية في التحقق من صحة الروايات، وتمييز الصدق من الكذب.
السنة النبوية ضرورة لفهم وتطبيق القرآن الكريم
إن السنة النبوية ليست مجرد إضافة إلى القرآن الكريم، بل هي ضرورة لفهمه وتطبيقه. فالقرآن الكريم يحتوي على الكثير من الأحكام العامة، التي تحتاج إلى تفصيل وتوضيح. والسنة النبوية هي التي تتولى هذه المهمة، فتبين كيفية الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغيرها من العبادات. كما أنها تبين كيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية حل المشكلات، وكيفية بناء المجتمع، وغيرها من الأمور الحياتية.
إن من ينكر السنة النبوية، فإنه يعجز عن فهم وتطبيق الكثير من أحكام القرآن الكريم، ويصبح عرضه للضلال والانحراف. فالقرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدران متكاملان للتشريع في الإسلام، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر.
خلاصة
إن الفيديو الذي تناولناه في هذا المقال يقدم طرحًا مبسطًا ومخلًا لقضية معقدة تتعلق بمصادر التشريع في الإسلام. فالإيمان بالله لا يتعارض مع الأخذ بالسنة النبوية، بل إن الإيمان الكامل بالله يستلزم الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، وتطبيق سنته. والسنة النبوية ليست من صنع البشر، بل هي وحي من الله تعالى، وهي ضرورة لفهم وتطبيق القرآن الكريم. يجب علينا أن نتعامل مع السنة النبوية بمنهجية علمية، وأن نتحقق من صحة الأحاديث، وأن نميز الصحيح من الضعيف. ولا يجوز لنا أن ننكر السنة النبوية بشكل مطلق، بسبب وجود بعض الأحاديث الضعيفة، بل يجب أن نستخدم عقولنا، وأن نستشير أهل العلم، وأن نتبع الحق.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة