معنى قوله تعالى وكذلك نبين الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون

تفسير قوله تعالى: وكذلك نبين الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون

تعد هذه الآية الكريمة، الواردة في سورة الأنعام، آية جامعة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، وتتعلق بكيفية تعامل الناس مع آيات الله، وكيف يفهمونها ويفسرونها، والغاية من إنزالها. وهي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأنعام: 105). وقبل الخوض في تفاصيل التفسير، ننصح بالرجوع إلى الفيديو المذكور لفهم أعمق وأشمل.

السياق العام للآية

تأتي هذه الآية في سياق الحديث عن المشركين وكيف أنهم لا يؤمنون بالآيات البينات الواضحة، بل يسعون إلى ليّ الحقائق وتشويهها، وإيجاد الأعذار الواهية لعدم الإيمان. فالله سبحانه وتعالى يخبرنا أنه يُصَرِّفُ الآيات، أي يوضحها ويبينها ويأتي بها على وجوه مختلفة، وذلك ليزداد المؤمنون إيماناً، ولتكون حجة على الكافرين.

تفسير مفردات الآية

• وكذلك نصرف الآيات: التصريف في اللغة هو التغيير والتقليب. وفي سياق الآية، يعني أن الله تعالى يغير ويبدل في أسلوب عرض الآيات، فيأتي بها على صور مختلفة، تارةً بالقصص، وتارةً بالأمثال، وتارةً بالبراهين العقلية، وتارةً بالآيات الكونية، وذلك ليناسب عقول الناس المختلفة، وليكون أبلغ في التأثير عليهم. كما أن التصريف يشمل أيضاً تنوع الآيات نفسها، فمنها ما هو واضح الدلالة، ومنها ما هو يحتاج إلى تدبر وتفكر.
• وليقولوا درست: هذا الجزء من الآية يتحدث عن موقف الكافرين والمشركين من هذه الآيات المصرفة. فهم عندما يرون الآيات الواضحة البينة، لا يعترفون بها، بل يسعون إلى إيجاد الأعذار الواهية، فيقولون: درست. وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الكلمة، ولها عدة تفسيرات:
  • التفسير الأول: أنهم يقولون: درست بمعنى تعلمت من غيرك. أي أنهم يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بشيء جديد من عند نفسه، بل هو مجرد ناقل عن الكتب القديمة وأخبار الأولين. وهذا إنكار صريح للوحي والنبوة.
  • التفسير الثاني: أنهم يقولون: درست بمعنى تقادمت وزالت جدتها. أي أن هذه الآيات ليست جديدة ولا معجزة، بل هي مجرد أقوال قديمة يعرفها الناس منذ زمن بعيد. وهذا استخفاف بالقرآن الكريم وتقليل من شأنه.
  • التفسير الثالث: أنهم يقولون: درست بمعنى طمست وأخفيت. أي أنهم يدعون أن هذه الآيات كانت موجودة في الكتب السابقة، ولكن تم تحريفها وتغييرها، فلم تعد واضحة ولا بينة. وهذا اتهام لليهود والنصارى بتحريف كتبهم السماوية.
• ولنبينه لقوم يعلمون: هذا الجزء من الآية يبين الغاية من تصريف الآيات، وهي أن الله تعالى يريد أن يبين الحق ويوضحه لقوم يعلمون. وهم الذين يمتلكون العقول النيرة والقلوب السليمة التي تستطيع أن تفهم الحق وتتبعه. وهؤلاء هم المؤمنون الذين يتدبرون في الآيات ويتفكرون فيها، فيزدادون إيماناً ويقيناً. والعلم هنا ليس مجرد المعرفة السطحية، بل هو العلم الذي يؤدي إلى العمل والاتباع.

المعنى الإجمالي للآية

المعنى الإجمالي للآية هو أن الله تعالى يوضح الآيات ويفصلها ويأتي بها على وجوه مختلفة، وذلك لكي يتبين الحق للناس. ولكن الكافرين والمشركين، بسبب عنادهم واستكبارهم، لا يؤمنون بهذه الآيات، بل يسعون إلى إيجاد الأعذار الواهية لعدم الإيمان، فيقولون: درست. أما المؤمنون، فهم الذين ينتفعون بهذه الآيات، ويفهمونها ويتدبرونها، فيزدادون إيماناً ويقيناً.

الدروس المستفادة من الآية

هناك العديد من الدروس والعبر التي يمكن أن نستفيدها من هذه الآية الكريمة، ومن أهمها:

• أهمية تدبر القرآن الكريم والتفكر في آياته: فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب نتلوه دون فهم أو تدبر، بل هو كتاب هداية وإرشاد، يحتاج إلى تفكر وتأمل لكي نستطيع أن نفهم معانيه ونتدبر في مقاصده.
• خطورة العناد والاستكبار عن الحق: فالكافرون والمشركون لم يؤمنوا بالآيات البينات بسبب عنادهم واستكبارهم، ولم يسمحوا لأنفسهم بالتفكير بشكل موضوعي ومنطقي.
• أهمية العلم النافع الذي يؤدي إلى العمل: فالعلم الحقيقي هو العلم الذي يغير سلوك الإنسان ويجعله أفضل، ويدفعه إلى العمل الصالح والاتباع الحق.
• أن الله تعالى يختص برحمته من يشاء: فالهداية ليست مجرد مسألة عقلية، بل هي فضل من الله تعالى يمن به على من يشاء من عباده. فالذين يمتلكون القلوب السليمة والعقول النيرة هم الذين يوفقهم الله تعالى إلى فهم الحق واتباعه.
• أن وظيفة الداعية إلى الله هي التبيين والإيضاح: فالداعية إلى الله ليس مكلفاً بهداية الناس، بل هو مكلف بتبليغهم الحق وتوضيحه لهم، أما الهداية فهي بيد الله وحده.

خلاصة

إن هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، وتوضح لنا كيف يتعامل الناس مع آيات الله، وكيف يفهمونها ويفسرونها. كما أنها تبين لنا أهمية تدبر القرآن الكريم والتفكر في آياته، وخطورة العناد والاستكبار عن الحق، وأهمية العلم النافع الذي يؤدي إلى العمل. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم.

هذا التفسير مبني على فهم عام للآية، وبتعمق أكثر بالرجوع إلى الفيديو المذكور، سيكون الفهم أكثر شمولية.