معنى قوله تعالى والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الضلمات ومن الطواغيت
تحليل وتفسير قوله تعالى: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات
تعتبر هذه الآية الكريمة، وهي جزء من الآية 257 من سورة البقرة، من الآيات المحورية في فهم طبيعة الإيمان والكفر، والصراع الأبدي بين الحق والباطل، والنور والظلام. كما تشكل أساساً هاماً في فهم مفهوم الولاية في الإسلام، وأهمية التمسك بالدين الحق، والتحذير من الانزلاق في مهاوي الضلال. سنقوم في هذا المقال بتحليل هذه الآية الكريمة، مستندين إلى تفسيرات العلماء والمفكرين، ومحاولين فهم دلالاتها العميقة.
السياق القرآني للآية
تأتي هذه الآية بعد الآية التي تصف ولاية الله للمؤمنين، حيث يقول تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. هذا التقابل الواضح يبرز الفرق الشاسع بين طريق المؤمنين المهتدين، وطريق الكافرين الضالين. فولاية الله للمؤمنين هي ولاية هداية ونور، بينما ولاية الطاغوت للكافرين هي ولاية ضلال وظلام.
تحليل مفردات الآية
- والذين كفروا: الكفر هو الجحود بالحق، والإنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهو ليس مجرد عدم الإيمان، بل هو رفض الحق بعد معرفته. الكفر له صور متعددة، منها الكفر بالله، والكفر برسله، والكفر بآياته، والكفر بشرائعه.
- أولياؤهم الطاغوت: الأولياء هم الأنصار والأعوان والمناصرون. الطاغوت لفظ مشتق من الطغيان، وهو تجاوز الحد في العصيان والظلم. والطاغوت يشمل كل ما يُعبد من دون الله، وكل من يدعو إلى الضلال، وكل من يحكم بغير ما أنزل الله، وكل من يصد عن سبيل الله. الطاغوت ليس بالضرورة شخصاً محدداً، بل هو مفهوم واسع يشمل كل ما يمثل الباطل والظلم.
- يخرجونهم من النور إلى الظلمات: هذا هو جوهر عمل الطاغوت، وهو تحويل الناس من النور إلى الظلمات. النور هنا يرمز إلى نور الإيمان، ونور الحق، ونور الهداية، ونور العلم، ونور الفطرة. الظلمات ترمز إلى ظلمات الكفر، وظلمات الشرك، وظلمات الجهل، وظلمات الضلال، وظلمات المعاصي. عملية الإخراج هذه ليست قسرية بالضرورة، بل قد تكون عن طريق الإغواء والتزيين والتشكيك، حتى يقتنع الإنسان بنفسه بالخروج من النور إلى الظلمات.
- ومن الطواغيت: جاءت هذه العبارة في الفيديو الذي تشير إليه، وهي إضافة توضيحية من المتحدث، ربما للتأكيد على أنَّ عملية الإخراج هذه تتم عن طريق تعدد الطواغيت وأساليبهم المختلفة في الإغواء. الطواغيت هم جمع طاغوت، مما يدل على أنَّ قوى الشر متعددة ومتنوعة، وتعمل بتنسيق لإضلال الناس.
تفسير الآية في ضوء أقوال المفسرين
تناول المفسرون هذه الآية الكريمة بتفصيل، وأوضحوا معانيها ودلالاتها. يمكن تلخيص بعض أقوالهم في النقاط التالية:
- تفسير الطبري: يرى الإمام الطبري أن الآية تبين أن الكافرين يتولون الطواغيت من دون الله، وأن الطواغيت تضلهم عن طريق الحق، وتخرجهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر.
- تفسير القرطبي: يوضح القرطبي أن الأولياء هم الأنصار، وأن الطاغوت هو كل معبود من دون الله. ويرى أن الإخراج من النور إلى الظلمات هو إخراج من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر والجهل.
- تفسير ابن كثير: يؤكد ابن كثير على أن ولاية الله للمؤمنين هي سبب هدايتهم وتوفيقهم، بينما ولاية الطاغوت للكافرين هي سبب ضلالهم وخسرانهم. ويشير إلى أن الطاغوت يشمل الشيطان والأصنام وكل ما يدعو إلى الباطل.
- تفسير السعدي: يبين السعدي أن الله يتولى عباده المؤمنين بتيسير أسباب الخير لهم، وإبعاد أسباب الشر عنهم. أما الكافرون، فإن أولياءهم الطواغيت يضلونهم ويزينون لهم الباطل، ويقودونهم إلى الهلاك.
دلالات الآية وأبعادها
للآية دلالات وأبعاد متعددة، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
- أهمية الولاية في الإسلام: الآية تبرز أهمية الولاية في الإسلام، سواء ولاية الله للمؤمنين، أو ولاية الطاغوت للكافرين. الولاية تعني النصرة والتأييد والمحبة والاقتداء. فالمؤمن يتولى الله ورسوله والمؤمنين، والكافر يتولى الطاغوت وأعوانه.
- خطورة الطاغوت وأعوانه: الآية تحذر من خطورة الطاغوت وأعوانه، الذين يسعون إلى إضلال الناس وصدهم عن سبيل الله. الطاغوت ليس مجرد قوة خارجية، بل هو قوة داخلية أيضاً، تتمثل في الهوى والشهوات والشبهات التي تزيين للإنسان الباطل.
- حتمية الصراع بين الحق والباطل: الآية تؤكد على حتمية الصراع بين الحق والباطل، والنور والظلمات. هذا الصراع مستمر إلى قيام الساعة، ولا بد للمؤمن من أن يكون على وعي به، وأن يستعد لمواجهته.
- مسؤولية الإنسان عن اختياره: الآية تدل على أن الإنسان مسؤول عن اختياره، سواء اختار طريق الإيمان أو طريق الكفر. الله تعالى قد بين له الطريقين، وهداه النجدين، وترك له حرية الاختيار.
- عاقبة المؤمنين والكافرين: الآية تشير إلى عاقبة المؤمنين السعيدة، وعاقبة الكافرين الوخيمة. فالمؤمنون في نور وهداية في الدنيا والآخرة، والكافرون في ظلمات وضلال في الدنيا والآخرة.
تطبيقات معاصرة للآية
يمكن تطبيق هذه الآية الكريمة على الواقع المعاصر، وفهم العديد من الظواهر والأحداث في ضوئها. فمثلاً:
- الإعلام المضلل: وسائل الإعلام المضللة التي تنشر الشائعات والأكاذيب، وتزين الباطل، وتصد عن الحق، تعتبر من أدوات الطاغوت في إخراج الناس من النور إلى الظلمات.
- الدعوات المنحرفة: الدعوات المنحرفة التي تدعو إلى الإلحاد أو الشك في الدين، أو إلى التحلل من الأخلاق، أو إلى العنف والتطرف، تعتبر من أدوات الطاغوت في إضلال الناس.
- الحكام الظالمون: الحكام الظالمون الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويظلمون شعوبهم، ويسعون إلى إفساد الدين والدنيا، يعتبرون من الطواغيت الذين يخرجون الناس من النور إلى الظلمات.
- المغريات المادية: المغريات المادية التي تجذب الناس إلى الدنيا، وتلهيهم عن الآخرة، وتجعلهم ينسون الله، تعتبر من أدوات الطاغوت في إضلال الناس.
خلاصة
إن قوله تعالى: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات آية عظيمة، تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات. إنها دعوة إلى التمسك بالإيمان، والتحذير من الانزلاق في الكفر، واليقظة من مكائد الطاغوت وأعوانه. إنها دعوة إلى نور الله، والابتعاد عن ظلمات الكفر والضلال. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، وأن يجنبنا سبيل الطاغوت وأعوانه.
رابط الفيديو المشار إليه: https://www.youtube.com/watch?v=DiDUCQB7cdQ
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة