يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت و قد امروا أن يكفروا به
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به: تحليل وتفسير
عنوان الفيديو يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به يثير جملة من التساؤلات والمفاهيم الهامة في الفكر الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالتوحيد، والحكم، والتشريع، وعلاقة المسلم بالسلطة. هذا العنوان، المستقى من الآية الكريمة في سورة النساء، يمثل تحدياً فكرياً وعقائدياً بالغ الأهمية، يستدعي تحليلاً عميقاً وشاملاً لفهم دلالاته وتطبيقاته في الواقع المعاصر.
مفهوم الطاغوت في الإسلام
لفهم مغزى العنوان، لا بد من البدء بتحديد مفهوم الطاغوت في الإسلام. الطاغوت ليس مجرد كلمة عابرة، بل هو مصطلح شرعي يحمل دلالات عميقة تتعلق بالانحراف عن منهج الله، والاعتداء على حقوقه، ومخالفة شرعه. يُعرَّف الطاغوت بشكل عام بأنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع. بعبارة أخرى، كل من يُعبد من دون الله، أو يُتبع في معصية الله، أو يُطاع في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، فهو طاغوت. يشمل ذلك الأصنام، والأهواء، والتشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية، والأشخاص الذين يدعون الألوهية أو يشاركون الله في حكمه.
إن الكفر بالطاغوت هو ركن أساسي من أركان التوحيد، ولا يتحقق التوحيد الخالص إلا بالكفر بكل ما يعبد من دون الله، والإيمان بالله وحده لا شريك له. فالكفر بالطاغوت يعني البراءة من كل ما يناقض التوحيد، والاعتقاد الجازم بأن الحكم والتشريع حق لله وحده، وأن أي نظام أو قانون يخالف شرع الله هو نظام باطل، يجب إنكاره ورفضه.
التحاكم إلى الطاغوت: معناه وخطورته
التحاكم إلى الطاغوت يعني طلب الحكم والفيصل في النزاعات والقضايا من غير شرع الله. وهو يشمل اللجوء إلى القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية، أو إلى الأعراف والتقاليد الجاهلية التي تتنافى مع أحكام الدين. التحاكم إلى الطاغوت يعتبر ناقضاً من نواقض التوحيد، ومنافياً للإسلام، لأنه ينطوي على إقرار الطاغوت بحق التشريع والحكم، وهو حق خالص لله وحده.
إن خطورة التحاكم إلى الطاغوت تكمن في أنه يمثل استبدالاً لشرع الله بشرع آخر، وتفضيل حكم غير الله على حكم الله. وهذا يؤدي إلى انتشار الظلم والفساد في المجتمع، وإلى ضياع الحقوق، وإلى تفكك الأمة. فالشريعة الإسلامية هي العدل المطلق، وهي الضمان لحفظ الحقوق وصيانة الحرمات، بينما القوانين الوضعية مهما بدت عادلة، فهي قاصرة ومحدودة، ولا يمكن أن تحقق العدل الكامل الذي تحققه الشريعة الإسلامية.
وقد أمروا أن يكفروا به: دلالة الأمر ووجوب الامتثال
العبارة وقد أمروا أن يكفروا به تحمل دلالة قوية على وجوب الكفر بالطاغوت، وأنه ليس مجرد خيار أو استحسان، بل هو أمر إلهي لازم. هذا الأمر موجه إلى جميع المسلمين، وهو جزء لا يتجزأ من عقيدة التوحيد. فلا يكفي أن يؤمن المسلم بالله وحده، بل يجب عليه أيضاً أن يكفر بكل ما يعبد من دون الله، وأن يرفض كل نظام أو قانون يخالف شرعه.
إن الامتثال لهذا الأمر الإلهي يتطلب من المسلم أن يكون على وعي تام بمفهوم الطاغوت، وأن يميز بين الحق والباطل، وأن لا يتردد في إنكار المنكر والتصدي للظلم. كما يتطلب منه أن يسعى إلى إقامة شرع الله في الأرض، وأن يعمل على نشر العدل والمساواة بين الناس، وأن يكون قدوة حسنة في التمسك بالإسلام والدفاع عنه.
التطبيقات المعاصرة لمفهوم الطاغوت والتحاكم إليه
في العصر الحديث، تتجلى مظاهر الطاغوت والتحاكم إليه في صور متعددة، منها:
- الدساتير والقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية: العديد من الدول الإسلامية تطبق دساتير وقوانين وضعية مستمدة من الغرب، تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية في كثير من الجوانب. التحاكم إلى هذه القوانين يعتبر تحاكماً إلى الطاغوت.
- الأحزاب السياسية التي تدعو إلى تطبيق قوانين غير إسلامية: هناك أحزاب سياسية تدعو صراحة إلى تطبيق قوانين وضعية، وترفض تطبيق الشريعة الإسلامية. الانضمام إلى هذه الأحزاب أو تأييدها يعتبر نوعاً من التحاكم إلى الطاغوت.
- المحاكم الدولية التي تحكم بقوانين غير إسلامية: التحاكم إلى المحاكم الدولية التي تحكم بقوانين وضعية في القضايا التي يمكن الفصل فيها بالشريعة الإسلامية يعتبر تحاكماً إلى الطاغوت.
- الأنظمة الاقتصادية الربوية: التعامل بالربا محرم في الإسلام، والنظام الاقتصادي الربوي يعتبر نظاماً طاغوتياً. التعامل مع البنوك الربوية أو الاستثمار في الشركات التي تتعامل بالربا يعتبر نوعاً من التعاون مع الطاغوت.
- وسائل الإعلام التي تروج للأفكار المخالفة للشريعة الإسلامية: هناك وسائل إعلام تروج للأفكار الإلحادية والليبرالية والعلمانية، وتهاجم الإسلام وتشوه صورته. مشاهدة هذه الوسائل أو الاستماع إليها يعتبر نوعاً من التعرض للطاغوت.
الموقف الشرعي من الأنظمة القائمة والتعامل معها
يُعدُّ التعامل مع الأنظمة القائمة في الدول الإسلامية من المسائل الشائكة التي تثير جدلاً واسعاً بين العلماء والمفكرين. لا يوجد إجماع على موقف واحد، وتتعدد الآراء والاجتهادات، ولكن يمكن تلخيص أبرز هذه الآراء فيما يلي:
- الرأي الأول: يرى وجوب تغيير الأنظمة القائمة بالقوة، وإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة الإسلامية. يستند أصحاب هذا الرأي إلى بعض النصوص الشرعية التي تحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى أن الحكم بغير ما أنزل الله يعتبر كفراً.
- الرأي الثاني: يرى جواز التعاون مع الأنظمة القائمة في بعض الأمور التي تحقق مصلحة المسلمين، مع إنكار المنكر والدعوة إلى الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة. يستند أصحاب هذا الرأي إلى قاعدة المصالح والمفاسد، وإلى أن تغيير الأنظمة بالقوة قد يؤدي إلى فتنة عظيمة وسفك للدماء.
- الرأي الثالث: يرى وجوب الابتعاد عن الأنظمة القائمة وعدم التعاون معها بأي شكل من الأشكال، والتركيز على تربية الأجيال على الإسلام الصحيح، وانتظار قيام الدولة الإسلامية بطريقة سلمية. يستند أصحاب هذا الرأي إلى أن التعاون مع الأنظمة القائمة يعتبر إقراراً بباطلها وتأييداً لظلمها.
لا شك أن اختيار الرأي المناسب في هذه المسألة يعتمد على الظروف المحيطة بكل مجتمع، وعلى تقدير المصالح والمفاسد المترتبة على كل خيار. ولكن يجب على المسلم أن يكون على وعي تام بواقعه، وأن يسعى إلى تطبيق شرع الله قدر استطاعته، وأن لا يرضى بالظلم والفساد.
الخلاصة
إن عنوان الفيديو يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به يمثل تذكيراً بأهمية التوحيد، ووجوب الكفر بالطاغوت، وخطورة التحاكم إلى غير شرع الله. يجب على المسلم أن يكون على وعي تام بهذه المفاهيم، وأن يسعى إلى تطبيقها في حياته اليومية، وأن يعمل على نشرها بين الناس. فلا يمكن أن يتحقق النصر والتمكين للأمة إلا بالعودة إلى الإسلام الصحيح، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والكفر بكل ما يخالف شرعهما.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة
Youtube
مدة القراءة