وضعوا قوانين و شروط لم ينزل الله بها من سلطان حتى يبعدونا عن كتاب الله ولا نقترب منه الا بأمر الكهنه
تحليل ونقد: وضعوا قوانين وشروط لم ينزل الله بها من سلطان حتى يبعدونا عن كتاب الله ولا نقترب منه الا بأمر الكهنه
يثير عنوان فيديو اليوتيوب المنشور على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=5pDVe4EczD0 تساؤلات عميقة ومخاوف جدية حول العلاقة بين المسلمين وكتابهم المقدس، القرآن الكريم. فالعبارة المستخدمة وضعوا قوانين وشروط لم ينزل الله بها من سلطان تحمل اتهامًا ضمنيًا بتقويض السلطة الإلهية وإحلال قوانين بشرية محلها، بهدف إبعاد الناس عن القرآن وجعله حكرًا على فئة معينة (الكهنة). هذا المقال يسعى إلى تحليل هذا العنوان، وتفكيك عناصره، ومناقشة السياقات المحتملة التي يمكن أن تنشأ فيها مثل هذه الاتهامات، مع تقديم نظرة نقدية متوازنة.
تفكيك العنوان: العناصر الأساسية
لفهم مضمون الاتهام بشكل كامل، يجب أولاً تحليل العناصر الأساسية التي يتكون منها العنوان:
- وضعوا قوانين وشروط: تشير هذه العبارة إلى وجود جهة أو مجموعة قامت بوضع تشريعات وتقييدات جديدة. السؤال المطروح هو: من هم هؤلاء الذين وضعوا؟ هل هم علماء الدين، الحكام، المؤسسات الدينية، أم مزيج من هذه القوى؟ كما أن طبيعة هذه القوانين والشروط تحتاج إلى تحديد. هل هي متعلقة بتفسير القرآن، تلاوته، تعليمه، أم الوصول إليه بشكل عام؟
- لم ينزل الله بها من سلطان: هذا هو جوهر الاتهام. يعني أن القوانين والشروط المذكورة لا تستند إلى أي دليل شرعي من القرآن أو السنة النبوية. وبالتالي، فهي تعتبر بدعة أو إضافة غير مشروعة إلى الدين. هذا العنصر يثير قضية هامة حول مصادر التشريع في الإسلام وحدود الاجتهاد.
- حتى يبعدونا عن كتاب الله: هنا يتم الكشف عن النية المفترضة من وراء وضع هذه القوانين والشروط. إنها ليست مجرد تنظيم أو تفسير، بل هي مؤامرة متعمدة لإبعاد المسلمين عن القرآن الكريم. هذه النقطة تتطلب أدلة قوية لإثباتها، حيث أن النية أمر خفي يصعب التحقق منه.
- ولا نقترب منه الا بأمر الكهنه: هذه العبارة تعزز فكرة المؤامرة، وتضيف عنصرًا آخر هو الكهنة. تستخدم كلمة الكهنة هنا بشكل مجازي للإشارة إلى فئة معينة تحتكر تفسير الدين وتجعله متاحًا فقط لمن يتبع تعليماتهم. هذا يثير شبح الكهنوتية التي تعتبر غريبة عن الإسلام، حيث لا يوجد وسيط بين الإنسان وربه.
السياقات المحتملة للاتهام
الآن، دعونا نستكشف بعض السياقات المحتملة التي يمكن أن تثير مثل هذا الاتهام:
- التفسير الحرفي مقابل التفسير المقاصدي: قد يرى البعض أن بعض التفاسير التقليدية للقرآن تركز بشكل مفرط على المعنى الحرفي للنصوص، وتتجاهل المقاصد العامة للشريعة الإسلامية. هذا قد يؤدي إلى قوانين وشروط تبدو متشددة وغير متوافقة مع روح الدين السمحة. على سبيل المثال، قد يتم تفسير بعض الآيات المتعلقة بالمرأة بطريقة تحد من حريتها ومشاركتها في المجتمع، مما يثير انتقادات بأن هذه التفاسير تهدف إلى إبعادها عن فهم القرآن بشكل صحيح.
- القيود المفروضة على تداول القرآن وتفسيره: في بعض المجتمعات، قد تفرض قيود على تداول القرآن وتفسيره، بحجة الحفاظ عليه من التحريف أو سوء الفهم. قد يتم حصر تفسير القرآن على علماء معينين أو مؤسسات دينية محددة، ومنع الآخرين من الخوض فيه. هذا قد يخلق شعورًا بالإقصاء والتهميش، ويدفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذه القيود تهدف إلى إبعادهم عن القرآن.
- استغلال الدين لأغراض سياسية أو اجتماعية: قد يتم استخدام الدين لتبرير قرارات سياسية أو اجتماعية معينة، أو لفرض أجندة معينة على المجتمع. في هذه الحالات، قد يتم تقديم تفسيرات معينة للقرآن تخدم هذه الأهداف، مع تجاهل أو تهميش التفاسير الأخرى. هذا قد يؤدي إلى تشويه صورة الدين، وإبعاد الناس عن فهمه الحقيقي.
- الخلافات المذهبية والطائفية: قد تؤدي الخلافات المذهبية والطائفية إلى تقديم تفسيرات متضاربة للقرآن، كل منها يخدم مذهبًا أو طائفة معينة. هذا قد يخلق حالة من الارتباك والتشكيك، ويدفع البعض إلى الابتعاد عن القرآن خوفًا من الوقوع في الفتنة. قد يتهم أتباع كل مذهب أو طائفة الآخرين بأنهم يضعون قوانين وشروطًا لم ينزل الله بها من سلطان، بهدف إبعاد الناس عن الحقيقة التي يمثلونها.
- التطرف الديني: قد تؤدي بعض الحركات المتطرفة إلى تقديم تفسيرات متشددة ومنغلقة للقرآن، تبرر العنف والإرهاب. هذه التفسيرات غالبًا ما تكون بعيدة عن روح الإسلام السمحة، وتخلق صورة سلبية عن الدين في أذهان الكثيرين. قد يرى البعض أن هذه الحركات تضع قوانين وشروطًا لم ينزل الله بها من سلطان، بهدف تجنيد الأتباع وتبرير أعمالهم الإجرامية.
نظرة نقدية متوازنة
من المهم التعامل مع هذا الاتهام بحذر وعقلانية، وعدم التعميم أو التسرع في إصدار الأحكام. فمن ناحية، يجب الاعتراف بوجود بعض الممارسات الخاطئة التي قد تساهم في إبعاد الناس عن القرآن، مثل القيود المفروضة على تداوله وتفسيره، أو استغلاله لأغراض سياسية أو اجتماعية. ومن ناحية أخرى، يجب التمييز بين هذه الممارسات الخاطئة وبين الاجتهادات الفقهية المشروعة التي قد تختلف في تفسير النصوص، ولكنها لا تهدف إلى إبعاد الناس عن الدين. كما يجب التأكد من وجود أدلة قوية تثبت النية السيئة قبل اتهام أي جهة أو مجموعة بوضع قوانين وشروط بهدف إبعاد الناس عن القرآن.
كما يجب التأكيد على أهمية العودة إلى القرآن الكريم مباشرة، وتدبر آياته، ومحاولة فهم معانيه بنفسك، مع الاستعانة بالتفاسير الموثوقة والعلماء المعتبرين. لا يجب أن نترك أنفسنا فريسة للإشاعات أو الاتهامات الباطلة، بل يجب أن نتحقق من كل شيء بأنفسنا، ونسعى إلى فهم الدين بشكل صحيح وعميق.
في الختام، يجب أن يكون هدفنا جميعًا هو التقرب إلى القرآن الكريم، وتطبيقه في حياتنا، ونشره بين الناس. يجب أن نكون حريصين على فهمه بشكل صحيح، وتجنب التفسيرات الخاطئة أو المتطرفة. يجب أن نسعى إلى نشر روح التسامح والمحبة والسلام التي يدعو إليها الإسلام، وأن نكون قدوة حسنة لغيرنا في فهم الدين وتطبيقه.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة