إيران وحماس هل تعيد طوفان الاقصى صياغة علاقة الطرفين
إيران وحماس: هل تعيد طوفان الأقصى صياغة علاقة الطرفين؟
رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=mI9cVhtQaGw
تمثل عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023 نقطة تحول مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجاوزت ارتداداتها حدود فلسطين المحتلة لتطال المنطقة بأسرها، بما في ذلك العلاقة المعقدة والمتشعبة بين حركة حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية. لطالما كانت هذه العلاقة محط جدل وتساؤلات، حيث تتراوح بين التحالف الاستراتيجي والدعم السياسي والمالي والعسكري، وصولًا إلى الخلافات التكتيكية والاختلافات في الرؤى. فهل نجحت طوفان الأقصى في إعادة صياغة هذه العلاقة، وتعزيزها في مواجهة التحديات المشتركة، أم أنها كشفت عن بعض التباينات الكامنة التي قد تؤثر على مستقبل هذا التحالف؟
لفهم طبيعة هذه العلاقة، يجب أولاً الغوص في تاريخها الممتد لعقود. فمنذ تأسيس حركة حماس في أواخر الثمانينات، سعت الحركة إلى إقامة علاقات قوية مع القوى الإقليمية والدولية الداعمة للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها إيران. وجدت حماس في إيران حليفًا استراتيجيًا يتقاسم معها العداء لإسرائيل والرغبة في دعم المقاومة الفلسطينية. قدمت إيران لحماس دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا كبيرًا، ساهم في تعزيز قدرات الحركة وزيادة نفوذها في الساحة الفلسطينية. لم يكن هذا الدعم مجرد منحة، بل كان جزءًا من استراتيجية إيرانية أوسع تهدف إلى توسيع نفوذها في المنطقة وتعزيز محور المقاومة الذي تعتبر حماس جزءًا أساسيًا منه.
من جهة أخرى، استفادت حماس من هذا الدعم الإيراني في بناء مؤسساتها العسكرية والاجتماعية والسياسية، وفي تطوير قدراتها القتالية لمواجهة إسرائيل. ساهم الدعم الإيراني في تمكين حماس من شن عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وفي إدارة قطاع غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006. ومع ذلك، لم تخلُ هذه العلاقة من التحديات والتوترات، خاصة في ظل الاختلافات في الرؤى والأولويات بين الطرفين. فقد ركزت حماس على القضية الفلسطينية كأولوية قصوى، بينما سعت إيران إلى تحقيق أهداف إقليمية أوسع، قد لا تتفق دائمًا مع مصالح حماس. كما تباينت مواقف الطرفين في بعض الملفات الإقليمية، مثل الأزمة السورية، حيث اتخذت حماس موقفًا أقرب إلى المعارضة، بينما دعمت إيران نظام بشار الأسد.
بالعودة إلى عملية طوفان الأقصى، يمكن القول إن هذه العملية قد أحدثت تحولًا في العلاقة بين حماس وإيران. فمن جهة، أظهرت العملية التنسيق الوثيق بين الطرفين، والتزامهما المشترك بمواجهة إسرائيل. وقد أشادت إيران بالعملية، واعتبرتها نصرًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية، بينما أكدت حماس على دور إيران في دعم المقاومة وتمكينها. من جهة أخرى، كشفت العملية عن بعض التباينات في الرؤى والأهداف بين الطرفين. فقد اتضح أن حماس اتخذت قرار شن العملية بشكل مستقل، دون تنسيق مسبق مع إيران. وهذا يشير إلى أن حماس تسعى إلى الحفاظ على استقلاليتها في اتخاذ القرارات، وعدم الارتباط الكامل بالأجندة الإيرانية.
علاوة على ذلك، أثارت العملية تساؤلات حول مدى استعداد إيران للانخراط المباشر في الصراع، وما إذا كانت إيران ستتدخل عسكريًا لدعم حماس في حال تصاعدت الأوضاع. حتى الآن، لم تتخذ إيران أي خطوات مباشرة للتدخل العسكري، ولكنها أعلنت عن دعمها السياسي والمعنوي الكامل لحماس، وحذرت إسرائيل من مغبة ارتكاب أخطاء استراتيجية. يشير هذا إلى أن إيران تفضل البقاء في دور الداعم والمساند، بدلًا من الانخراط المباشر في الصراع، وذلك لتجنب التصعيد الإقليمي والدولي.
إذن، ما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقة بين حماس وإيران في ضوء طوفان الأقصى؟ يمكن تصور عدة سيناريوهات، تتراوح بين تعزيز التحالف الاستراتيجي، وتعميق التباينات، وصولًا إلى القطيعة التامة. السيناريو الأول، وهو الأكثر ترجيحًا، هو استمرار التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، مع بعض التعديلات التكتيكية. في هذا السيناريو، ستواصل إيران تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لحماس، ولكنها ستسعى إلى تنسيق مواقفها مع حماس بشكل أفضل، لتجنب أي مفاجآت أو خلافات مستقبلية. في المقابل، ستستمر حماس في التعاون مع إيران، ولكنها ستحافظ على استقلاليتها في اتخاذ القرارات، وستسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في إطار التحالف الاستراتيجي.
السيناريو الثاني هو تعميق التباينات بين الطرفين، بسبب الاختلافات في الرؤى والأهداف. في هذا السيناريو، قد تتصاعد الخلافات بين حماس وإيران حول بعض الملفات الإقليمية، أو حول كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل. قد يؤدي ذلك إلى تقليل الدعم الإيراني لحماس، أو إلى اتخاذ حماس مواقف مستقلة تتعارض مع المصالح الإيرانية. ومع ذلك، من غير المرجح أن يصل الأمر إلى حد القطيعة التامة، نظرًا إلى الحاجة المتبادلة بين الطرفين، وإلى المصالح المشتركة التي تجمعهما.
السيناريو الثالث، وهو الأقل ترجيحًا، هو القطيعة التامة بين حماس وإيران. في هذا السيناريو، قد تتدهور العلاقة بين الطرفين بشكل كبير، بسبب خلافات عميقة حول القضايا الاستراتيجية أو التكتيكية. قد يؤدي ذلك إلى وقف الدعم الإيراني لحماس، أو إلى اتخاذ حماس مواقف معادية لإيران. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو غير مرجح، نظرًا إلى أن حماس وإيران بحاجة إلى بعضهما البعض في مواجهة التحديات المشتركة، وإلى أن القطيعة ستكون مكلفة جدًا لكلا الطرفين.
في الختام، يمكن القول إن عملية طوفان الأقصى قد أحدثت تحولًا في العلاقة بين حماس وإيران، ولكنها لم تؤدِ إلى تغيير جوهري في طبيعة هذا التحالف الاستراتيجي. من المرجح أن يستمر التحالف بين الطرفين، مع بعض التعديلات التكتيكية، ولكن يجب على كلا الطرفين أن يكونا على استعداد لمواجهة التحديات المحتملة، وإدارة الخلافات المحتملة، للحفاظ على استقرار هذا التحالف وتعزيزه في مواجهة التحديات المشتركة.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة