ميكافيللى و الدولة العباسية اخذ القانون بتاعنا و قال ان بتاعه قانون الدكتاتوريين الغلابة يا عينى
ميكافيللي والدولة العباسية: قراءة في الادعاءات المثارة في فيديو يوتيوب
انتشر مؤخرًا على موقع يوتيوب فيديو بعنوان ميكافيللي والدولة العباسية اخذ القانون بتاعنا و قال ان بتاعه قانون الدكتاتوريين الغلابة يا عينى يطرح فكرة مثيرة للجدل حول العلاقة بين فكر السياسي الإيطالي نيكولو ميكافيللي وتاريخ الدولة العباسية. الفيديو، المنشور على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=mJXw1T4BheU، يقدم ادعاءً جريئًا مفاده أن الدولة العباسية قد سبقت ميكافيللي في تطبيق مبادئ سياسية براغماتية، بل وربما ألهمته بشكل أو بآخر. هذا المقال يسعى إلى تحليل هذا الادعاء وتقييمه، مع الأخذ في الاعتبار السياقات التاريخية والفكرية لكل من ميكافيللي والدولة العباسية.
نظرة موجزة على ميكافيللي وكتابه الأمير
نيكولو ميكافيللي (1469-1527) هو دبلوماسي وفيلسوف سياسي إيطالي، اشتهر بكتابه الأمير الذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الفكر السياسي. الكتاب، الذي كتب في عام 1513 ونشر بعد وفاته، يقدم تحليلًا واقعيًا وصريحًا لطبيعة السلطة وكيفية الحفاظ عليها. ميكافيللي يرى أن الهدف الأسمى للحاكم هو الحفاظ على الدولة واستقرارها، حتى لو استدعى ذلك استخدام وسائل غير أخلاقية في نظر الكثيرين. فهو يفضل أن يكون الأمير مخوفًا على أن يكون محبوبًا، وأن يكون قادرًا على الخداع والتلاعب إذا كان ذلك يخدم مصلحة الدولة. أهم ما يميز فكر ميكافيللي هو الفصل بين الأخلاق والسياسة، حيث يرى أن الأخلاق الفردية لا يجب أن تعيق الحاكم عن تحقيق أهداف الدولة.
الدولة العباسية: حقبة ذهبية وصراعات سياسية
الدولة العباسية (750-1258) هي ثاني خلافة إسلامية كبرى، وقد شهدت حقبة ذهبية في العلوم والفنون والفلسفة. تأسست الدولة على يد أبي العباس السفاح، واستمرت لعدة قرون، حكمت خلالها مساحات واسعة من الأراضي. لكن هذه الحقبة الذهبية لم تخلُ من صراعات سياسية داخلية وخارجية. الخلفاء العباسيون واجهوا تحديات كبيرة في الحفاظ على سلطتهم، وكانوا مضطرين في كثير من الأحيان إلى استخدام القوة والدهاء السياسي من أجل البقاء. شهدت الدولة العباسية صراعات على السلطة بين الأمراء والوزراء، بالإضافة إلى ثورات واضطرابات في مختلف أنحاء البلاد. كان الخلفاء العباسيون مضطرين إلى التعامل مع هذه التحديات بطرق مختلفة، بعضها كان يتسم بالعدل والحكمة، والبعض الآخر كان يتسم بالقسوة والدهاء.
ادعاء الفيديو: هل استلهم ميكافيللي من الدولة العباسية؟
الفكرة المركزية التي يطرحها الفيديو هي أن الدولة العباسية قد مارست سياسات مشابهة لتلك التي دعا إليها ميكافيللي قبل قرون من ظهور كتابه الأمير. الفيديو ربما يستعرض أمثلة من التاريخ العباسي تظهر استخدام الخلفاء للدهاء والخداع والقوة من أجل الحفاظ على سلطتهم. قد يشير إلى حالات من التخلص من المنافسين السياسيين، أو استخدام الرشوة والفساد لكسب الولاء، أو شن الحروب لقمع الثورات. الفيديو قد يجادل بأن هذه الممارسات، التي تبدو غير أخلاقية في نظر الكثيرين، كانت ضرورية للحفاظ على الدولة العباسية في ظل الظروف الصعبة التي واجهتها. قد يستدل الفيديو على وجود تشابه بين هذه الممارسات وبين المبادئ التي دعا إليها ميكافيللي في كتابه الأمير.
ولكن، هل هذا الادعاء صحيح؟ هل يمكن القول بأن ميكافيللي قد استلهم من الدولة العباسية؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نضع في الاعتبار عدة نقاط:
- غياب الأدلة المباشرة: لا يوجد أي دليل تاريخي مباشر يشير إلى أن ميكافيللي كان على دراية بالتاريخ العباسي أو أنه استلهم من سياسات الخلفاء العباسيين. ميكافيللي كان يعتمد بشكل أساسي على التاريخ الروماني القديم والتجارب السياسية المعاصرة في إيطاليا.
- السياق التاريخي المختلف: السياق التاريخي الذي عاش فيه ميكافيللي يختلف بشكل كبير عن السياق التاريخي للدولة العباسية. ميكافيللي كان يعيش في عصر النهضة الإيطالية، الذي شهد صراعات سياسية وحروبًا مستمرة بين الدويلات الإيطالية. الدولة العباسية كانت تعيش في عالم مختلف تمامًا، مع تحديات سياسية واجتماعية مختلفة.
- طبيعة السلطة: طبيعة السلطة في الدولة العباسية كانت مختلفة عن طبيعة السلطة في الدويلات الإيطالية التي عاش فيها ميكافيللي. الدولة العباسية كانت دولة إمبراطورية واسعة، بينما كانت الدويلات الإيطالية دولًا صغيرة متنافسة. هذا الاختلاف في طبيعة السلطة قد يؤدي إلى اختلاف في الممارسات السياسية.
- المبادئ العامة: من الصحيح أن هناك تشابهًا بين بعض الممارسات السياسية التي استخدمها الخلفاء العباسيون وبين المبادئ التي دعا إليها ميكافيللي. ولكن هذا التشابه لا يعني بالضرورة أن ميكافيللي قد استلهم من الدولة العباسية. فالمبادئ التي دعا إليها ميكافيللي هي مبادئ عامة يمكن تطبيقها في أي زمان ومكان.
- العوامل المشتركة في السياسة: استخدام القوة والدهاء والخداع هي أدوات سياسية استخدمت في جميع العصور وفي جميع الحضارات. الدولة العباسية وميكافيللي لم يكونا الوحيدين اللذين استخدموا هذه الأدوات. فالسياسة، بطبيعتها، تتطلب في كثير من الأحيان استخدام وسائل غير أخلاقية من أجل تحقيق الأهداف.
تقييم الادعاء
بناءً على النقاط المذكورة أعلاه، يمكن القول بأن الادعاء بأن ميكافيللي قد استلهم من الدولة العباسية هو ادعاء مبالغ فيه وغير مدعوم بأدلة تاريخية قوية. من الممكن أن يكون هناك تشابه بين بعض الممارسات السياسية التي استخدمها الخلفاء العباسيون وبين المبادئ التي دعا إليها ميكافيللي، ولكن هذا التشابه لا يعني بالضرورة وجود تأثير مباشر. فالمبادئ التي دعا إليها ميكافيللي هي مبادئ عامة يمكن تطبيقها في أي زمان ومكان، وهي تعكس طبيعة السلطة والصراعات السياسية التي تحدث في جميع المجتمعات.
ومع ذلك، فإن الفيديو يثير نقطة مهمة حول العلاقة بين الأخلاق والسياسة. فالدولة العباسية، مثلها مثل أي دولة أخرى في التاريخ، كانت مضطرة إلى استخدام وسائل غير أخلاقية في بعض الأحيان من أجل الحفاظ على سلطتها. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن الفصل بين الأخلاق والسياسة، وما إذا كان يمكن تبرير استخدام وسائل غير أخلاقية من أجل تحقيق أهداف سياسية نبيلة.
الخلاصة
إن الادعاء بأن ميكافيللي قد استلهم من الدولة العباسية يفتقر إلى الأدلة التاريخية المباشرة. على الرغم من وجود تشابه ظاهري بين بعض الممارسات السياسية في كلتا الحالتين، إلا أن هذا التشابه لا يكفي لإثبات وجود تأثير مباشر. ومع ذلك، فإن الفيديو يثير أسئلة مهمة حول طبيعة السلطة والعلاقة بين الأخلاق والسياسة، وهي أسئلة تستحق الدراسة والتحليل.
في النهاية، يجب أن ننظر إلى فكر ميكافيللي وتاريخ الدولة العباسية في سياقاتهما التاريخية الخاصة، وأن نتجنب التعميمات المبالغ فيها. كلاهما يمثلان جزءًا مهمًا من تاريخ الفكر السياسي، ويمكن أن يساعدانا على فهم طبيعة السلطة والصراعات السياسية التي تحدث في العالم من حولنا.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة