اليوم التالي في سوريا ما الذي تخشى الولايات المتحدة وقوعه في سوريا
اليوم التالي في سوريا: ما الذي تخشى الولايات المتحدة وقوعه في سوريا؟
يظل الملف السوري، بعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الأزمة، من أكثر الملفات تعقيداً وإثارةً للجدل في السياسة الدولية. فبالإضافة إلى المعاناة الإنسانية الهائلة التي خلفها الصراع، تبرز التحديات الجيوسياسية المتشابكة التي تواجهها القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن السوري. فيديو اليوتيوب المعنون بـ اليوم التالي في سوريا: ما الذي تخشى الولايات المتحدة وقوعه في سوريا؟ (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=5mRQu7JOlwY) يلقي الضوء على هذه المخاوف الأمريكية، محاولاً تحليل السيناريوهات المحتملة لما بعد الحرب في سوريا، والتحديات التي تقلق واشنطن بشكل خاص.
الورطة الأمريكية في سوريا: تاريخ من التدخل المحدود
منذ بداية الأزمة السورية، اتبعت الولايات المتحدة سياسة خارجية حذرة، متجنبةً التدخل العسكري المباشر على نطاق واسع على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان. وركزت الاستراتيجية الأمريكية بشكل أساسي على دعم فصائل معارضة سورية معتدلة، ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وممارسة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على نظام بشار الأسد. ومع ذلك، لم تنجح هذه السياسة في تحقيق الأهداف المرجوة، بل أدت إلى تعقيد المشهد السوري وتطويل أمد الصراع.
يمكن تلخيص المخاوف الأمريكية الرئيسية في سوريا فيما يلي:
1. الفراغ الأمني وتصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة:
تخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي أي انهيار كامل للنظام السوري إلى فراغ أمني واسع النطاق، مما يتيح للجماعات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش، استعادة قوتها ونفوذها. ورغم هزيمة داعش في معاقله الرئيسية، إلا أن التنظيم لا يزال يمتلك خلايا نائمة قادرة على شن هجمات إرهابية، ويهدف إلى استغلال الفوضى والصراعات الداخلية لإعادة تنظيم صفوفه وتوسيع نطاق عملياته. إن عودة داعش إلى سوريا قد تمثل تهديداً ليس فقط للمنطقة، بل أيضاً للأمن القومي الأمريكي وحلفائها.
بالإضافة إلى ذلك، تخشى واشنطن من تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، والتي قد تستغل الفراغ الأمني لتعزيز وجودها في سوريا، وتحويلها إلى ملاذ آمن لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية في المنطقة والعالم.
2. تعزيز النفوذ الإيراني:
تعتبر إيران من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد، وقد قدمت له مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية حاسمة في مواجهة المعارضة المسلحة. وتخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي استمرار النظام السوري في السلطة، بدعم من إيران وروسيا، إلى تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا، وتحويلها إلى قاعدة انطلاق لتهديد المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة. إن وجوداً إيرانياً قوياً في سوريا قد يتيح لطهران نقل الأسلحة والمقاتلين إلى حزب الله في لبنان، وتهديد أمن إسرائيل، وتقويض الاستقرار الإقليمي بشكل عام.
كما تخشى واشنطن من أن تستغل إيران الأوضاع الاقتصادية المتردية في سوريا لزيادة نفوذها الاقتصادي، والسيطرة على الموارد الطبيعية والبنية التحتية الحيوية، مما يزيد من اعتماد دمشق على طهران، ويجعل من الصعب على أي حكومة مستقبلية في سوريا تقليل هذا النفوذ.
3. استمرار تدفق اللاجئين:
تسببت الأزمة السورية في أكبر أزمة لاجئين في التاريخ الحديث، حيث نزح ملايين السوريين داخل بلادهم، ولجأ الملايين الآخرون إلى الدول المجاورة وأوروبا. وتخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي استمرار الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى تدفق المزيد من اللاجئين السوريين، مما يزيد من الضغوط على الدول المضيفة، ويؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما تخشى واشنطن من أن يستغل تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة أزمة اللاجئين لتجنيد عناصر جديدة، وتنفيذ هجمات إرهابية في الدول المضيفة.
4. انتشار الأسلحة الكيميائية:
تعتبر مسألة الأسلحة الكيميائية في سوريا من أكثر القضايا إثارة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ورغم إعلان النظام السوري عن تخليه عن برنامج الأسلحة الكيميائية في عام 2013، إلا أن هناك تقارير متواترة عن استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين، مما يثير مخاوف جدية بشأن مدى التزام دمشق بتعهداتها. وتخشى واشنطن من أن يؤدي استمرار الصراع إلى انتشار الأسلحة الكيميائية، ووقوعها في أيدي الجماعات المتطرفة، مما قد يؤدي إلى استخدامها في هجمات إرهابية واسعة النطاق.
5. تقويض النظام الدولي:
تعتبر الولايات المتحدة أن الأزمة السورية تمثل تحدياً للنظام الدولي القائم على القانون والمؤسسات الدولية. وتخشى واشنطن من أن يؤدي فشل المجتمع الدولي في حل الأزمة السورية إلى تقويض سلطة الأمم المتحدة، وتشجيع الدول الأخرى على انتهاك القانون الدولي، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما تخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي استمرار الصراع في سوريا إلى تعزيز نفوذ الدول التي تتحدى النظام الدولي، مثل روسيا والصين، وتقويض القيادة الأمريكية في العالم.
سيناريوهات اليوم التالي وموقف الولايات المتحدة
في ضوء هذه المخاوف، تحاول الولايات المتحدة وضع سيناريوهات لـ اليوم التالي في سوريا، وتحديد الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبعها لحماية مصالحها وتقليل المخاطر المحتملة. ومن بين السيناريوهات المحتملة:
- استمرار الوضع الراهن: وهو السيناريو الذي يستمر فيه النظام السوري في السيطرة على معظم البلاد، بدعم من روسيا وإيران، مع استمرار وجود جيوب للمعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة. في هذا السيناريو، من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على النظام السوري، ودعم فصائل المعارضة المعتدلة، ومكافحة تنظيم داعش.
- تقسيم سوريا: وهو السيناريو الذي يتم فيه تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متنافسة، تسيطر عليها قوى مختلفة، مثل النظام السوري، والمعارضة المسلحة، والأكراد، والجماعات المتطرفة. في هذا السيناريو، من المرجح أن تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على وجود عسكري محدود في مناطق معينة، مثل شمال شرق سوريا، لحماية مصالحها ومكافحة الإرهاب.
- انهيار النظام السوري: وهو السيناريو الذي ينهار فيه النظام السوري بشكل كامل، مما يؤدي إلى فراغ أمني وفوضى عارمة. في هذا السيناريو، من المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة بشكل محدود لحماية مصالحها، ومنع وقوع كارثة إنسانية، ومكافحة الجماعات المتطرفة.
- تسوية سياسية: وهو السيناريو الذي يتم فيه التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف السورية المتنازعة، تؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. في هذا السيناريو، من المرجح أن تدعم الولايات المتحدة جهود السلام، وتساهم في إعادة إعمار سوريا، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بغض النظر عن السيناريو الذي سيتحقق، من المرجح أن تظل الولايات المتحدة منخرطة في الملف السوري، نظراً لأهمية المنطقة بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية. ومع ذلك، من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بتدخل عسكري مباشر على نطاق واسع في سوريا، بل ستركز على دعم حلفائها المحليين، وممارسة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، ومكافحة الإرهاب.
الخلاصة
إن مستقبل سوريا يظل غير مؤكد، والمخاوف الأمريكية بشأن اليوم التالي مشروعة. إن الفراغ الأمني، وتعزيز النفوذ الإيراني، وتدفق اللاجئين، وانتشار الأسلحة الكيميائية، وتقويض النظام الدولي، كلها تحديات حقيقية تتطلب استجابة دولية منسقة. على الولايات المتحدة أن تعمل مع حلفائها وشركائها للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، يحافظ على وحدة البلاد واستقلالها، ويحمي حقوق جميع السوريين، ويضمن هزيمة الجماعات المتطرفة. إن تحقيق الاستقرار والسلام في سوريا ليس فقط مصلحة للشعب السوري، بل هو أيضاً مصلحة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله.
مقالات مرتبطة