وزير الصحة اللبناني لـسكاي نيوز عربية رفعنا جهوزيتنا تحسبا لأي تصعيد من إسرائيل

تحليل لتصريح وزير الصحة اللبناني حول الاستعداد للتصعيد المحتمل مع إسرائيل

في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والتقارير المتزايدة حول احتمال تصعيد عسكري بين إسرائيل وحزب الله، يكتسب تصريح وزير الصحة اللبناني، كما ورد في فيديو قناة سكاي نيوز عربية المنشور على يوتيوب (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=uVv7vEOu3I)، أهمية خاصة. التصريح، الذي يؤكد على رفع مستوى الجهوزية في القطاع الصحي اللبناني تحسباً لأي تصعيد محتمل، يفتح الباب أمام تحليل معمق للوضع الراهن، والقدرات اللبنانية، والتحديات المحتملة، وآفاق المستقبل.

السياق الجيوسياسي وتصاعد التوتر

لا يمكن فهم تصريح وزير الصحة اللبناني بمعزل عن السياق الجيوسياسي المضطرب الذي تشهده المنطقة. فمنذ حرب تموز 2006، حافظت الحدود اللبنانية الإسرائيلية على هدوء هش، لكن هذا الهدوء لطالما كان مهدداً بالانهيار. تتعدد الأسباب التي تدفع نحو التصعيد، من بينها: استمرار الخلافات الحدودية حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والاتهامات الإسرائيلية لحزب الله بتخزين أسلحة في مناطق مدنية، والدعم الإيراني المتزايد لحزب الله، والتدخلات الإسرائيلية المتكررة في الأجواء اللبنانية، والأزمات الداخلية المتفاقمة في لبنان التي قد تدفع بعض الأطراف نحو البحث عن مخرج في تصعيد خارجي.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب التطورات الإقليمية دوراً حاسماً في تغذية التوتر. فالتصعيد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوترات بين إيران وإسرائيل في سوريا والعراق، والصراع اليمني، كلها عوامل تزيد من حدة الاحتقان في المنطقة وتهدد بتحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

الواقع الصحي اللبناني: نقاط الضعف والقوة

يواجه القطاع الصحي اللبناني تحديات جمة، تفاقمت حدتها بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019. فقد أدى انهيار الليرة اللبنانية إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع تكلفة العلاج والأدوية، وهجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، ونقص حاد في المستلزمات الطبية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع من ضعف البنية التحتية، ونقص التمويل، والفساد المستشري، والتوزيع غير العادل للموارد بين المناطق المختلفة.

ومع ذلك، يمتلك القطاع الصحي اللبناني أيضاً نقاط قوة يجب أخذها في الاعتبار. فلبنان يشتهر بكفاءة أطبائه وممرضيه، الذين يتمتعون بمستوى عال من التدريب والتأهيل. كما أن هناك عدداً من المستشفيات والمراكز الطبية المجهزة بشكل جيد، والتي تقدم خدمات طبية متقدمة. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع لبنان بتجربة طويلة في التعامل مع الأزمات، بما في ذلك الحروب والصراعات، مما أكسب العاملين في القطاع الصحي خبرة كبيرة في إدارة الطوارئ.

رفع الجهوزية: التدابير المتخذة والتحديات القائمة

بحسب تصريح وزير الصحة، فإن رفع الجهوزية يتضمن عدة تدابير، من بينها: زيادة مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، وتجهيز المستشفيات والمراكز الطبية لاستقبال أعداد كبيرة من الجرحى، وتدريب الكوادر الطبية على التعامل مع إصابات الحرب، وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الدفاع والصليب الأحمر اللبناني والمنظمات الدولية.

لكن تحقيق هذه الأهداف يواجه تحديات كبيرة. فالأزمة الاقتصادية تحد من قدرة وزارة الصحة على توفير التمويل اللازم لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، وتدريب الكوادر، وتجهيز المستشفيات. كما أن الوضع الأمني المتوتر يعيق حركة العاملين في القطاع الصحي، ويجعل من الصعب الوصول إلى المناطق النائية والمحرومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف التنسيق بين مختلف الجهات المعنية قد يؤدي إلى تضارب في الجهود وإهدار للموارد.

سيناريوهات التصعيد المحتملة وتأثيرها على القطاع الصحي

يمكن أن يتخذ التصعيد المحتمل بين إسرائيل وحزب الله أشكالاً مختلفة، بدءاً من المناوشات الحدودية المحدودة وصولاً إلى حرب شاملة. في كل سيناريو من هذه السيناريوهات، سيكون القطاع الصحي اللبناني على خط المواجهة، وسيواجه تحديات هائلة.

في حالة المناوشات الحدودية المحدودة، قد يقتصر تأثير التصعيد على المناطق الحدودية، حيث ستتعرض المستشفيات والمراكز الطبية لضغط كبير بسبب تدفق الجرحى. في هذه الحالة، سيكون من الضروري توفير الدعم اللوجستي والطبي لهذه المناطق، وتأمين ممرات آمنة لنقل الجرحى إلى المستشفيات في المناطق الداخلية.

أما في حالة الحرب الشاملة، فإن الوضع سيكون كارثياً. ستتعرض المستشفيات والمراكز الطبية للقصف، وسيقتل أو يصاب العديد من العاملين في القطاع الصحي. كما أن البنية التحتية الصحية ستتدمر، وسيصبح من المستحيل تقديم الخدمات الطبية الأساسية للمواطنين. في هذه الحالة، سيكون من الضروري الاعتماد على المساعدات الدولية، وتفعيل خطط الطوارئ، وإنشاء مستشفيات ميدانية في المناطق الآمنة.

المطلوب لتخفيف آثار التصعيد المحتمل

لتخفيف آثار التصعيد المحتمل على القطاع الصحي اللبناني، يجب اتخاذ عدة إجراءات، من بينها:

• توفير التمويل اللازم لوزارة الصحة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، وتدريب الكوادر، وتجهيز المستشفيات.
• تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك وزارة الدفاع والصليب الأحمر اللبناني والمنظمات الدولية.
• تأمين ممرات آمنة لنقل الجرحى إلى المستشفيات، وحماية المستشفيات والمراكز الطبية من القصف.
• تفعيل خطط الطوارئ، وتدريب الكوادر الطبية على التعامل مع إصابات الحرب.
• توعية المواطنين بالإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها في حالة التصعيد.
• السعي إلى حل سياسي للأزمة، وتجنب التصعيد العسكري.

الخلاصة

تصريح وزير الصحة اللبناني حول رفع مستوى الجهوزية يعكس قلقاً حقيقياً بشأن احتمال التصعيد العسكري مع إسرائيل. في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي الذي يعيشه لبنان، سيكون للتصعيد آثار كارثية على القطاع الصحي والمواطنين. لذلك، من الضروري اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتخفيف هذه الآثار، والسعي إلى حل سياسي للأزمة، وتجنب التصعيد العسكري. يتطلب ذلك جهوداً مضاعفة من الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم للقطاع الصحي، وتعزيز الاستقرار في لبنان والمنطقة.