هل تتغير استراتيجية أميركا تجاه سوريا بعد تنصيب ترامب

هل تتغير استراتيجية أميركا تجاه سوريا بعد تنصيب ترامب؟

تظل القضية السورية من أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية على الساحة الدولية، حيث تتشابك فيها مصالح دول إقليمية وعالمية، وتتداخل فيها أبعاد إنسانية وسياسية وعسكرية. وبعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الأزمة، لا يزال مستقبل سوريا مجهولًا، وتتأثر مسارات الأحداث فيها بشكل كبير بالتغيرات في الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

يهدف هذا المقال إلى تحليل احتمالات تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا بعد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وذلك بالاستناد إلى الرؤى والتصريحات التي صدرت عنه خلال حملته الانتخابية وبعد توليه منصبه، بالإضافة إلى تقييم العوامل الداخلية والخارجية التي قد تؤثر على هذه الاستراتيجية.

الخلفية التاريخية للاستراتيجية الأمريكية في سوريا

منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، تبنت الولايات المتحدة سياسة حذرة ومترددة تجاه الأزمة. في عهد الرئيس باراك أوباما، ركزت الإدارة الأمريكية على تقديم الدعم السياسي والإنساني للمعارضة السورية المعتدلة، وفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، مع تجنب التدخل العسكري المباشر. وقد تمثلت أبرز نقاط الخلاف حول الاستراتيجية الأمريكية في سوريا في مسألة الخط الأحمر المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، والذي لم يتم تفعيله بشكل كامل بعد اتهام النظام السوري باستخدام هذه الأسلحة في عام 2013.

ومع ظهور تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، تغيرت الأولويات الأمريكية، حيث ركزت الإدارة الأمريكية على محاربة التنظيم، وذلك من خلال تشكيل تحالف دولي وتقديم الدعم الجوي واللوجستي للقوات المحلية التي تقاتل التنظيم، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

تصريحات ترامب حول سوريا خلال حملته الانتخابية

خلال حملته الانتخابية، انتقد دونالد ترامب بشدة سياسة أوباما في سوريا، واعتبرها فاشلة وغير فعالة. وركز ترامب على محاربة تنظيم داعش كأولوية قصوى، وأشار إلى إمكانية التعاون مع روسيا في هذا المجال. كما أعرب عن شكوكه في دعم المعارضة السورية المعتدلة، واعتبرها غير قادرة على تحقيق أهدافها.

وقد أثارت هذه التصريحات قلقًا كبيرًا لدى بعض الأطراف الإقليمية والدولية، التي تخشى من أن يؤدي تغيير الاستراتيجية الأمريكية إلى تقويض جهود حل الأزمة السورية، وتمكين النظام السوري وحلفائه.

الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بعد تنصيب ترامب

بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، حافظ ترامب على تركيزه على محاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق. وقد شهدت العمليات العسكرية ضد التنظيم تسارعًا ملحوظًا، وتمكنت القوات المدعومة من الولايات المتحدة من تحقيق تقدم كبير في استعادة المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم.

إلا أن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بعد ترامب لم تقتصر على محاربة داعش فقط، بل شملت أيضًا محاولة احتواء النفوذ الإيراني في سوريا، وذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية على إيران وحلفائها، وتقديم الدعم للقوات المحلية التي تقاتل الميليشيات المدعومة من إيران.

كما حاولت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، وذلك من خلال دعم جهود الأمم المتحدة والعمل مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية. إلا أن هذه الجهود لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، بسبب تعقد الأزمة وتضارب المصالح بين الأطراف المتنازعة.

العوامل المؤثرة على الاستراتيجية الأمريكية في سوريا

هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي قد تؤثر على الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بعد تنصيب ترامب، ومن أبرز هذه العوامل:

• الأوضاع الداخلية في سوريا: تلعب الأوضاع الميدانية والسياسية والاقتصادية والإنسانية في سوريا دورًا حاسمًا في تحديد مسار الاستراتيجية الأمريكية. فكلما ازدادت الأوضاع تعقيدًا وتدهورًا، زادت صعوبة التدخل الأمريكي الفعال.
• مواقف الأطراف الإقليمية والدولية: تتأثر الاستراتيجية الأمريكية في سوريا بمواقف الدول الإقليمية والدولية المعنية، وخاصة روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل. فالتنسيق والتعاون مع هذه الدول قد يساهم في تحقيق أهداف الولايات المتحدة، بينما قد يؤدي الخلاف والتنافس إلى تعقيد الأمور.
• الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة: تؤثر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة على قدرة الإدارة الأمريكية على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن سوريا. فالضغوط الداخلية قد تحد من قدرة الإدارة على التدخل بشكل فعال في الأزمة السورية.
• الرأي العام الأمريكي: يلعب الرأي العام الأمريكي دورًا مهمًا في تحديد مسار الاستراتيجية الأمريكية في سوريا. فإذا كان الرأي العام يعارض التدخل الأمريكي في سوريا، فإن الإدارة الأمريكية قد تتردد في اتخاذ خطوات جريئة.

السيناريوهات المحتملة للاستراتيجية الأمريكية في سوريا

بالنظر إلى العوامل المؤثرة على الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة، ومن أبرزها:

• السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن: في هذا السيناريو، تستمر الولايات المتحدة في التركيز على محاربة بقايا تنظيم داعش في سوريا، واحتواء النفوذ الإيراني، ودعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة. إلا أن هذا السيناريو قد لا يحقق نتائج ملموسة، بسبب تعقد الأزمة وتضارب المصالح بين الأطراف المتنازعة.
• السيناريو الثاني: زيادة التدخل الأمريكي: في هذا السيناريو، تزيد الولايات المتحدة من تدخلها العسكري والسياسي في سوريا، وذلك من خلال تقديم المزيد من الدعم للقوات المحلية التي تقاتل النظام السوري وحلفائه، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على النظام. إلا أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد الأزمة وتدهور العلاقات مع روسيا وإيران.
• السيناريو الثالث: الانسحاب التدريجي: في هذا السيناريو، تبدأ الولايات المتحدة في سحب قواتها من سوريا بشكل تدريجي، مع الحفاظ على وجود رمزي لمراقبة الوضع. إلا أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى فراغ في السلطة واستغلاله من قبل أطراف أخرى، مثل روسيا وإيران وتركيا.

الخلاصة

تظل الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا بعد تنصيب ترامب قضية معقدة وحساسة، تتأثر بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية قد حافظت على تركيزها على محاربة تنظيم داعش واحتواء النفوذ الإيراني، إلا أن مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في سوريا لا يزال غير واضح، ويتوقف على تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية والاقتصادية والإنسانية في سوريا، بالإضافة إلى مواقف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية.

من الواضح أن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في سوريا كبيرة، ولا يمكن التغلب عليها إلا من خلال تبني استراتيجية شاملة ومتكاملة، تأخذ في الاعتبار جميع جوانب الأزمة وتعمل على تحقيق حل سياسي عادل ومستدام، يحافظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.